يختلف كل منا عن صاحبه قليلا في أمور الدين فيورثها هذا أسفا أكثر مما يورثني، وليس ذلك الاختلاف من العظم ما قد تتوهم؛ فقد أوجب كثير من الحوادث الخارجية والداخلية مؤخرا في تبديلا أحسب به بين أنصار الدين النصراني خلافا لما سلف كما تعلم، وعلى ما ليس بيني وبين المظهر النصراني من عدم مطابقة تامة في بعض المبادئ التي يعدها النصارى أساسية على ما يحتمل تبصر ضربا من معاهدة باسو
14
بيني وبين حنة، وأحب البياتية في النساء مع ذلك. وأزدري اللائي يبدين عرفانا.
وهل يحتاج إلى ما هو أصرح من ذلك؟ ومن خلال تفوهاته نرى ذوق العليم بالمرأة وصدى تجاربه للقلب النسوي وحقده القديم على أمه، وهو لو بلغ ضفة الأردن الأخرى لكان على الجسر السريع الانكسار، وهو يعبر عن جميع تاريخ «هدايته» بمعاهدة باسو؛ أي بالتسامح المتقابل بين المتحاربين الدينيين، وهو إذ تروقه بياتية النساء تجده مسرورا لقول امرأته بهذا المذهب.
وترى وضعه العام وضع رجل دنيوي تجاه خطبته، ولا تجد غير قليل حديث عن الله فيما يكتبه إلى أخيه وأخته، وتجد طويل قول عن فارس شارد، وتبصره لينا عن كبرياء، ويهرول إلى المنزل بعد أن طاف كثيرا، فيقول: «أظنني عظيم السعادة أكثر مما كنت أرجو، وذلك بأن أتزوج مع اعتدال في القول بامرأة ذات ذكاء عزيز ونبل نادر وأنس متناه ويسر حياة؛ أي ذات صفات لم أرها في أية امرأة قط ... وغاية القول أنني راض عن الأمر إلى الغاية، فأتمنى أن تجدوا فيه ما يسركم أيضا.» وإذا ما نظر إلى أمر المال كان ما تحضر منه قليلا، فلا بد من نيله بنفسه إذن، ومن قوله: «وأما التفصيلات الأخرى، كحيرة الأهالي التي لا حد لها وتبرم العجائز، فمما أقصه عليك فمي إلى فيك، وأما الآن فأطلب إليك وإلى أوسكار أن تكونا ذوي مشاعر كريمة نحو زوجتي القادمة، وتقرب رينفيلد من حدود بولونية، ويسمع الإنسان عواء الذئاب ونباح الأهالي في كل ليلة، وفي هذه الولاية وفي الولايات الست المجاورة يسكن ثمانمائة شخص في كل فرسخ مربع، والبولونية هي اللغة التي يتكلم بها القوم هنا، والبلد جميل جدا.» ولا يبعد عقاره غير بضع ساعات من هنالك.
وله في دهش بنات عمه الكثيرات تسلية لنفسه، وقد شق عليهن جهلهن ما يحدث، وهو لما كان من صبوته
15
غير مرة ومن كثرة أسفاره اتفقن على القول: «وي! نحن راغبات عنه، ولكنه ممتاز إلى الغاية حقا.» ويذعر أصدقاؤه من انقلابه إلى «تقي»، فلم يزعجه ذلك، ويدرس التوراة بحرارة في تلك الأسابيع الأولى حين عزمه على الاعتقاد، ولكن مع تأثره بإلحاده الذاتي، وينبئ بلانكنبرغ المهدي الهادي بأنه لا يعرف أن يسوع ابن لله أو أنه رجل رباني فقط، وبأنه يشك في الخطيئة الأصلية، وبأن في التوراة من المتناقضات ما لم يصل معه إلى نتيجة بعد، ويعرب عن إعجابه بالشيطان في كتاب له، فيستحوذ الفزع على حنة.
الفصل الثامن
ويقضي دور الخطبة في تربية المختارة، ولم يحدث في اللغة الألمانية أن كتب رجل دنيوي أو شاعر إلى امرأة ما هو أشد من ذلك سحرا وأعظم بهرا، ولم يحدث أن كتب بسمارك مثل ذلك مرة أخرى، وتبديه تلك الرسائل المملوءة فتنة في الذروة من خاطره ودريه، ومن نزواته ومجازاته، ومن دقته ورقته، وتقودها يد سديدة إلى دربه رويدا رويدا، وفيما تراه يقيت تقواها بعنصر جديد، وفيما هو يدعها تعتقد أنها تروض رجلا بريا، تبصره يروض ابنة الريف تلك التي هي أجفى منه وأحدث كثيرا في الواقع، ويبلغ هذا التحول من الغرابة ما تكتب معه ذات يوم إلى السيد المفتون بقولها: «إنك مغرم بالرسميات، مع أنني أود اقتحام جميع العوائق عند إمكان ذلك.»
Bilinmeyen sayfa