وهكذا ينمو الصلاح والسأم والتسامح والغم على مقياس ضيق في قلبه، فلا غرو إذا ما حاول في الثلاثين من سنيه أن يعود إلى خدم الدولة للمرة الثالثة، «وذلك لأحرر نفسي من متاعب بيئتي التي تبغض الحياة إلي.» ويكتب ذلك الفتى الشريف إلى رئيس براندبرغ الأول معتزا؛ إذ يقول: «غدت أحوالي لا توجب إقامتي بالريف في الوقت الحاضر؛ فالآن يمكنني أن أسير مع ميلي إلى خدمة الدولة.» أفلا يقال بعد ذلك: إنه يفترض انتظار الدولة عرض نفسه عليها فقط؟
وتدوم التجربة الثالثة أسبوعين، ولم تكد هذه المدة تنقضي حتى تصادم هو ورئيسه. ويكتب الرئيس الأول قائلا مذعورا: «لقد مرت علي أمور كثيرة في حياتي، فلم أر حتى الآن اقتراف رجل قانوني لثلاث وستين أغلوطة.» وله من المعاذير المألوفة ما يغادر معه وظيفته بسرعة، وهو إذ لم يقابله الرئيس من فوره، قال للخادم: «بلغ الرئيس أنني ذاهب غير آيب.»
19
وفي مساء ذلك اليوم يجتمع بالرئيس في وليمة فيسألهما بعض الحضور: «أيعرف أحدكما الآخر؟»
بسمارك :
لم يكن لي شرف ذلك!
ويقدم بسمارك نفسه ويعرب عن عظيم سروره بذلك اللقاء!
وما كاد بسمارك يصل إلى منزله حتى دون مشاعره كتابة، قائلا إنه قام بتلك التجربة «كنشر نفساني للخشب؛ وذلك لأعيد الصحة إلى دماغي بعد أن رهل
20
قليلا في الوظيفة بسبب نمطية العمل كما هي العادة. وما أبداه رؤسائي الرسميون من تعاظم عقيم وعطف سخيف فكان غير محتمل لدي أكثر مما في أي زمن بعد أن فقدت عادته منذ زمن طويل.» وهو لم يعتم أن مرض من العمل هو و«خيلي أيضا» حتى بعد أن حل محل أخيه عمدة للناحية، ولسرعان ما ترك هذا العمل كذلك. «وهكذا ركبت نهر الحياة عاطلا من الإرادة ومن أي خدف
Bilinmeyen sayfa