306

Bismark

بسمارك: حياة مكافح

Türler

وبسمارك لسوء فهمه معنى الحركة الاشتراكية تماما؛ لم يكسب شيئا بتدابيره الاشتراكية الحكومية، وتزيد الأصوات الحمر حتى تعد بالملايين، وفضلا عن ذلك فإن القانون الاستثنائي المضاد للاشتراكية كان يجدد فيما بين الانتخابات من فترات، وذلك على حين كانت النماذج النصرانية العملية المذكورة آنفا تحتل مكانها في مجموعة القوانين، وفي سنة 1887 تريد الحكومة وضع نص قانوني قائل بأن من يحكم عليه وفق ذلك القانون يحرم حقوقه المدنية، فيرفض الريشتاغ هذا الحرمان.

وفي أثناء تلك المنازعات الداخلية والمصادمات الخارجية يبلغ الإمبراطور ولهلم التسعين من سنيه، وتبدو خاتمته قريبة الوقوع، ويحتفل في شهر مارس سنة 1887 بعيد ميلاده، فيسأل كل إنسان: «وإلى متى؟ وماذا يحدث بعد ذلك؟» ويبدأ الملأ بالقول همسا إن ولي العهد مريض وإن لم يسطع الكلام في احتفال عيد الميلاد ذلك إلا بصوت أبح، ويمضي شهران فيقول العالم إن الذي يخلف الإمبراطور الشيخ عاهل شاب.

وتزيد دقات قلب بسمارك، ويشعر بسمارك بأن حكم القدر واقع لا ريب فيه، وبأنه سيقع تبدل لم يحدث مثله منذ ربيع سنة 1861 حين مات فردريك ولهلم، والآن تسأل أوروبة عن حوادث صحة الإمبراطور كلما خرج للنزهة، ولا أحد يجازف بتجديد حلف، ويحف بعمل المستشار الماهر طائفة من الحذر والخوف والوهم فيهزه ذلك، ويسأل اللورد سالسبري عن كون محاباة الأمير ولهلم لروسية ستجعل منه كارها لإنكلترة، ويسر القيصر بإلقائه السمع إلى ابن خاله ولهلم على حين يسر ولهلم هذا إليه بالعداوة لإنكلترة، ويبدو الوضع مضطربا حينما زار القيصر إسكندر برلين في أواخر سنة 1887، فيظهر إمكان اشتعال الحرب في الحين بعد الحين.

ويشير بسمارك إلى العاهل الشائب بما يجب أن يدور عليه حديثه مع القيصر، فعلى ولهلم أن يوضح بأن الحرب القادمة تفرق بين الثورة والملكية، فإذا تم النصر فيها لفرنسة دنت ألمانية من الثورة، فهل يريد القيصر وبلاد الروس هذا؟ وهل يهدف القيصر إلى تهديد ملوك أوروبة الشرقية بمحالفته فرنسة؟ إذا ما كسرت النمسة قامت على أنقاضها عدة جمهوريات، وظهرت في البلقان عدة جمهوريات أيضا، فأسفرت هذه التغييرات عن خسران روسية، وعلى العاهل أن يجتنب شهر الحرب ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛ وذلك لأن الشعوب في أيامنا تعد ملوكها مسئولين عما تصاب به من هزيمة كما حدث في فرنسة بعد حرب سنة 1870، حتى في ألمانية يزيد احتمال قيام نظام جمهوري فيها عند الهزيمة، وهنالك يتفق فوضويو فرنسة واشتراكيو ألمانية وثوريو روسية، واليوم ليست الحروب حروب وزارات، وإنما الأمر هو رفع العلم الأحمر ضد قوى القانون والنظام.

ويكرر العاهل الشيخ تلك العبارات عدة أيام ليحفظها على ظهر القلب، وقد صاغها بسمارك في قالب ملائم لنفسية الإمبراطور ولهلم والقيصر إسكندر، ويذعر ولهلم بحلم رآه في منامه؛ فقد أبصر القيصر واقفا وحده في المحطة من غير أن يخف أحد إلى استقباله، ولم يفتأ ولهلم يروي حلمه هذا لمن يريد أن يسمع، ومهما يكن الأمر فقد اجتمع العاهلان اجتماع وداد وتبادلا عبارات صداقة، وسار على غرارهما وزراؤهما الذين أمضوا معاهدة.

ولكن الظلال تمتد، فيجب على من يكون ذا مال أن يتسلح، والآن يقترب أجل ولهلم الأول من نهايته، فيعود تابعه إلى عهده الأول، وهو إمساك ترس مليكه وتقويته، وسيكون هذا آخر عمل مماثل له، وهو كما في سنة 1862 يكافح في سبيل حال الجيش، فيحل البرلمان مرة أخرى، ويعمل على جعل الانتخابات تأتي بنتائج أكثر ملاءمة، فيوافق الريشتاغ الجديد على جمع الجنود وإعداد المدافع لسبع سنين، ويرتقي بسمارك في المنبر قبل موت مولاه بأربعة أسابيع ويلقي آخر خطبه في الريشتاغ، وخطبته هذه طويلة جدا فاضطر إلى الجلوس في أثنائها؛ طلبا للراحة، فكان هذا شاقا على هذا الرجل الذي بلغ من العمر ثلاثا وسبعين سنة، وهذه الخطبة خالية من الخيال والمجاز، وهي عملية إيجابية إلى الغاية، وفيها يلقي بسمارك نظرة على الوضع العالمي كما كان يصنع في الغالب، وتنطوي كلماتها الهادئة على إنذار خفي، ومنها نبصر شدة توتر الحال في أوروبة، ونبصر ما ينذر به من شؤم مرض ولي العهد، ونبصر قرب دور جديد. وكل هذا يرى من خلال خطبته تلك، فتسفر عن إسكات أعدائه، قال بسمارك:

يجب علينا أن نكون في هذه الأيام أقوياء جهد الطاقة، ولدينا من الوسائل ما نستطيع أن نكون به أقوى من كل أمة يعدل عدد سكانها عدد سكاننا، ونقيم بوسط أوروبة، وتمكن مهاجمتنا من ثلاث جبهات، ونحن معرضون لخطر المحالفات أكثر من أية أمة أخرى ... والأسياف

3

في حوض الشبابيط

4

Bilinmeyen sayfa