سيرة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز
سيرة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز
Araştırmacı
أبي مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني
Yayıncı
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Türler
هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما انجلت عنهم العبرةُ قالت له زوجتُهُ: يا أمير المؤمنين، مم بكيت؟ قال: ذكرت منصرف القومِ من بين يدي الله ﷿ فريق في الجنة وفريق في السعير. ثم صرخ وغشي عليه.
وكان آخر خطبة خطبها عَلَى المنبر ﵀ أن حمد الله وأثنى عليه فقال فيها: إنكم لم تُخلقوا عبثًا، ولن تُتركوا سدى، وإن لكم معادًا ينزلُ اللهُ فيكم ليحكم بينكم، ويفصلَ بينكم، خابَ وخسرَ من خَرَجَ من رحمةِ الله، وحُرمَ جنَّةً عرضُها السماوات والأرض، ألم تعلموا أنه لا يأمن غدًا إلا من حذرَ الله اليومَ وخافه، وباعَ نافدًا بباقٍ، وقليلًا بكثير، وخوفًا بأمان. ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيصيرون من بعدكم للباقين، وكذلك حتى نردَّ إِلَى خيرِ الوارثين، ثم إنكم تشيعونَ كل يومٍ غاديًا ورائحًا قد قضى نحبه، وانقضى أجله حتى تغيبوه في صدع من الأرض، وفي شق صدعٍ، ثم تتركونَهُ غير ممهَّد ولا موسَّدٍ، قد فارق الأحبابَ وباشرَ التُّرابَ وواجهَ الحسابَ، مرتهنٌ بما عمل، غنيٌّ عما تركَ، فقيرٌ إِلَى ما قدم، فاتقوا الله ﷿ قبل نزول الموت وحلولِهِ بكم، أما والله إني لأقول هذا، وما أعلم عند أحدٍ من الذنوب أكثرَ مما عندي، وأستغفرُ الله وأتوب إِلَيْهِ، وما منكم من أحدٍ ﴿له﴾ (١) حاجة، لا يتسع له ما عندنا إلا تمنيتُ الله أن يبدأ بي وبخاصّتي حتى يكون عيشُهُ وعيشنا واحدًا، إنه والله لو أردت غير هذا من غضارَةِ (٢) العيش، لكان اللسان دلولًا وكنت بأسبابه عالمًا، ولكن سبق من الله كتاب ناطق وسنة عادلة، دلَّ فيها عَلَى طاعته ونهى فيها عن معصيته. ثم رَفعَ طرَفَ ردائه وبكى حتى شهق وأبكى من حوله، ثم نزل ولم يخطب بعدها حتى مات ﵀.
وكتب عمر إِلَى عاملِهِ عَلَى البصرة:
_________
(١) ليست بالأصل، وأثبتها لتناسب السياق.
(٢) الغضارة: النعمة والسعة في العيش. "لسان العرب" مادة: (غضر).
2 / 504