21
أول من تفتح له بابها، فيطأ بفرسه بساط قيصر، ويحطم أصنام الشرك في كنيسة أيا صوفيا، ويجهر بالأذان في أكبر بيعة من بيع النصرانية. - طابت نفسي والله لحديثك هذا يا أبا سعيد، وإني لأرجو أن يكون ما قلت، فخذ في أسبابك منذ اليوم، والله معك.
الفصل الثاني عشر
وفاء بذمة ...
لو لم يسبق الأجل إلى ورد أم مسلمة لقرت اليوم عينا؛ فسيبلغ مسلمة عرش قيصر، ويطأ بساطه، ويلبس تاجه، وتدين له تلك البلاد جميعا بالطاعة والولاء؛ ولكنه يتلفت حواليه فلا يرى أمه، ولا تراه أمه، لقد فرغت من الدنيا قبل أن تكتحل عيناها برؤية ولدها مسلمة في الموضع الذي كانت تأمل أن تراه فيه ...
ولكن صورة أخرى تتراءى لعينيه الساعة: صورة فتى عربي في وجهه شحوب، وفي عينيه زرقة وعمق، ولصوته نبر عذب، فيه مخايل من صديق له قد مات منذ قريب، وغيبته الصفائح في البلد المحرم ... وإلى جانبه امرأة منتقبة شابة تجول عيناها وراء ستر شفيف، تجد لها نظراتها ذكرى، فلا يكاد يكف عن النظر إليها، ولا يخجله من ذلك أن ولدها الشاب إلى جانبها، وأنها أرملة صديق قد مات منذ قريب ...
تلك الصورة قد رآها ذات مرة في الحلم، كأن قد أبصرها بعينين، ثم سمع صديقه يقصها عليه - كما رآها - فوعاها بأذنين، وها هي ذي تتخايل لعينيه الساعة يقظان، فكأنما هي صورة في إطار ما تزال تقع عليها العين مرة بعد مرة، فلا تنكر من ملامحها شيئا!
وتحضره إلى جانب هذه الصورة ذكريات أخرى وصور شتى وأحاديث متباينة، فلا يكاد معها يحقق أمرا مما يرد على خاطره!
لقد كان لأمه معه ذات يوم حديث ما يزال صداه في نفسه؛ فإنه ليذكره كلما خطرت القسطنطينية في باله، أو أزمع مع الروم حربا ...
وكان له ولصاحبه النعمان حديث آخر مع الراهب الشيخ، في الدير المنفرد في أرض البلقاء، ما يزال صداه يمتزج بصدى حديثه إلى أمه ...
Bilinmeyen sayfa