أمريكي :
لقد قرأته.
إنجليزي :
وبعيشك ماذا فهمت منه؟
أمريكي :
أصارحك الرأي، إنه في جوهره كتاب حسن، وإنني لأعجب بغيرة المؤلف على الحرية في الجملة، ويسرني ما أرى فيه من دلائل الإنسانية. غير أنه يتكلم عن الأمريكيين عامة، فيزعم أنهم لا يشعرون بالحب الصحيح للحرية، وأنهم قلما ينفرون من الاستبداد والطغيان، وأنهم قلما يتورعون عن تسليط الاستبداد والطغيان بأقصى ما في وسعهم من الشدة على عبيدهم المساكين، وهذا ما لست أقره كما أنني لا أقر النتائج التي انتهى إليها حيث يخلص من تلك المزاعم إلى إنكار حق الأمريكيين في الحرية، ففي ذلك مجافاة للعدل وغلو في الإنحاء على الأمريكيين، مع إغضائه عن أخطاء بلاده، وليس هذا فيما أرى بالإنصاف، فضلا عما فيه من الإضرار بنا هذه الآونة على الخصوص؛ إذ يحاول أن يصورنا في صورة بغيضة، ويغري بنا من يبيتون النية على ظلمنا واضطهادنا، منكرا حقنا في الحرية التي ننشدها الآن.
إنجليزي :
وأي وزر لبلاد المؤلف في تلك المظالم التي يشكوها؟ وأي كلام من كلامه لا يشمل حكمه معاشر الأمريكيين عامة؟
أمريكي :
ينبغي ألا يكون كلامه عاما على إطلاقه؛ لأن الأسس التي يقيمه عليها ليست بالأسس العامة. وهذه إنجلترا الجديدة - أكثر المستعمرات الإنجليزية سكانا في أمريكا - قليل فيها عدد العبيد، ومن وجد من هذا القليل فهو في العواصم حيث لا يعملون في عمل شاق، وأكثرهم ثمة سعاة أو خدم في المنازل، ويقال مثل هذا عن المستعمرات التي يقل سكانها عن سكان إنجلترا الجديدة، كنيويورك، ونيوجرسي، وبنسلفانيا، وحتى في فرجينيا، وماريلاند، وكارولينا حيث يعمل العبيد في الزراعة لا يوجدون إلا عند الأسر الغنية القديمة على مقربة من مياه الملاحة، وإنهم لقليلون بالقياس إلى الأسر التي تقيم وراءهم ويندر أن يوجد لديها العبيد، ولو أنك عبرت أمريكا الشمالية من أقصاها إلى أقصاها لم تجد أسرة من كل مائة أسرة لديها عبيد، وإن ألوفا من الناس هناك ليمقتون الرق كما يمقته مستر شارب ويتورعون عن كل ما يتصل به، ويبذلون جهدهم في إلغائه. فإذا كان من الإجرام في رأي ذلك السيد أن يقتني المرء عبدا، فهل من العدل أن نوصم جميعا بالجريمة؟ وإذا كان في إنجلترا واحد من كل مائة يخل بحقوق الأمانة، فهل من العدل أن يقال: إن الإنجليز كلهم لصوص وسراق؟ زد على ذلك أن الذين يقتنون العبيد ليسوا جميعا قساة أو طغاة، وكثيرون منهم يعاملون عبيدهم بالرفق والمروءة، ويتكفلون بهم في حالتي الصحة والمرض كما تتكفلون هنا بالعمال الفقراء، وما هؤلاء العمال الفقراء عبيدا بالاسم، ولكنهم ما أشبههم بالعبيد حين تضطرهم الشريعة إلى العمل كل تلك الساعات في خدمة ساداتهم بتلك الأجور، ولا تسمح لهم بطلب المزيد أو المساومة على الأجر، بل تسجنهم في بعض المشاغل إن رفضوا العمل بالأجر المقدور، وقد تسجن السيد إذا قبل أن يزيدهم في الأجور، ويحدث كذلك في الوقت نفسه أن يحال بين الصانع الذكي، وبين السفر من هذه الجزيرة إذا منح في خارجها أجرا أكبر من أجره فيها.
Bilinmeyen sayfa