يسير مصرف فلادلفيا سيرا حسنا على ما سمعت، وما تدعوه معهد سنسناتي ليس بمعهد من معاهد حكومتنا، بل جماعة خاصة ألفها الضباط في الجيش السابق وتكرهها جمهرة الشعب من أجل ذلك حتى يغلب على الظن أنها ستنحل، وكان المظنون أنها محاولة لإنشاء طبقة وراثية كطبقة النبلاء، وأوافقك على أنها خطأ، ثم أزيد على ذلك أن كل «التشريفات» الموروثة خطأ وسخافة، فإنما الشرف شرف الأعمال الفاضلة لمن يقوم بتلك الأعمال، وليس من طبيعته أن ينقل من إنسان إلى إنسان، وإذا صح أن ينقل من وارث إلى وريث، وجب أن يقسم بين جميع الوارثين، وقل نصيب كل وارث تبعا لتقادم العهد وازدياد العدد، ودع عنك ما يحدث من الاقتضاب والانقطاع أثناء الطريق.
وظهر أن دستورنا - أو مواد اتحادنا - غير مفهومة لديك، فلو كان المؤتمر - الكنجرس - هيئة دائمة، لكان من الخطر ودواعي الحذر تخويلها السلطان، غير أن أعضاءها ينتخبون كل سنة، ولا ينتخبون ثلاث سنوات على التوالي ولا ثلاث سنوات في خلال سبع سنوات، ويجوز على كل منهم أن يستعاد إذا كانت دائرته الانتخابية غير راضية عن مسلكه، وكلهم من الشعب، ويعودون أخيرا إلى الشعب بغير صفة دائمة تميزهم، إلا كما تمتاز حبات الرمل في الساعة الرملية، ومثل هذه الجماعة لا يسهل أن تكون خطرا على الحرية العامة، وأعضاؤها خدام الشعب يجتمعون معا لخدمة الشعب ورعاية مصالحه، فلا يتيسر لهم أداء واجباتهم ما لم تكن لهم القوة الكافية لحسن أدائها، وليست لهم رواتب مجزية غير الأجور اليومية التي قلما تساوي نفقاتهم، وهم لقلة حظوظهم من المناصب، والرواتب، والمعاشات التي تعطى في بعض البلاد لا يدعو الأمر معهم إلى الدس أو الرشوة أثناء الانتخاب.
وإنني لأتمنى لإنجلترا - العجوز - توفيقا كهذا التوفيق في نظام الحكومة ولا أراه. فإن قومك يحسبون دستورهم أفضل الدساتير في العالم، ويظهرون الازدراء بدستورنا، ولعله من أسباب الرضا أن يحسن الإنسان ظنا بنفسه، وبكل ما ينتسب إليه، وأن نعتقد أن ديانتنا ومليكنا وربة بيتنا خير الديانات والملوك وربات البيوت، ومما أذكره أن ثلاثة من جرينلاند ساحوا نحو سنتين في أوروبا برعاية المرسلين المورافيين فزاروا ألمانيا، والدنمرك، وهولندا، وإنجلترا، وسألتهم في فلادلفيا وهم قافلون إلى بلادهم الأمريكية عما إذا كانوا بعد ما شاهدوه من معيشة الرجل الأبيض بصنع يديه يؤثرون البقاء بيننا؟ فكان جوابهم أنهم مسرورون بما شهدوه من المناظر الكثيرة، ولكنهم يؤثرون المعيشة بين قومهم، وفي ديارهم، وهي لعمرك أرض صخرية لم يجد المورافيون بدا عن زيارتها من نقل الطين في سفينتهم من نيويورك لزرع الكرنب فيها.
أشك فيما بلغ مستر دونالد عن تركيب النظارة التي اخترعتها لقوله أنها تصلح لأناس دون آخرين. ويخيل إلي أن القول بأن التحديب الذي يصلح للقراءة لا يصلح للنظر البعيد صواب، ولهذا كان لي من قبل نظارتان أبدل بينهما في السياحة؛ لأنني أقرأ حينا وأحب التطلع إلى المناظر حينا آخر، ووجدت هذا التبديل متعبا لا يسعفني في كل وقت، فقطعت الزجاج، ووضعت نصفا من كل نوع في الحلقة الواحدة، واستطعت بهذه الوسيلة أن أدير بصري علوا أو سفلا مذ كنت أستمر على وضع النظارة فوق عيني، ووافقني ذلك على الخصوص في مقامي بفرنسا حيث وجدت أن النظارة التي تريني صحاف الطعام أمامي لا تريني وجوه الجالسين على الجانب الآخر من المائدة وهم يتحدثون إلي. ولا يخفى أن الأذن إذا لم تكن قد تعودت على تمييز لهجة الكلام في لغة من اللغات، فنظرة العين إلى ملامح المتكلم تساعد على الإيضاح، وهكذا أصبحت أفهم الفرنسية بمساعدة النظارات.
إني أرشح لترجمة رسالتك الشخص الوحيد الذي أعرف أنه يفهم الموضوع كما يفهم كلتا اللغتين، وهذا عندي هو شرط المترجم، وإلا تعذر عليه إتقان الترجمة، وهو الآن مشغول بعمل لا يمكنه من الاشتغال بترجمة الرسالة، وسيفرغ منه قريبا.
أشكر لك تعليقاتك وأود لو أحصل على غيرها من الكراسات المطبوعة.
وإننا على الدوام مرحبون بالأطفال في أي وقت تشاء أن ترسلهم إلينا، وكل ما ألاحظه أن لندن تستوعب عددا كبيرا من أبناء الريف، فمن الحق أن يتسع الريف لمن يعرضهم من أولئك الأطفال، وهذا مع كثرة الذين ينزلون عن حريتهم الإنسانية ليعملوا حينا عمل الخدم أو يعملوا طوال العمر عمل الجند - برهان في نظري على ازدحام جزيرتكم، ومع هذا نراها تخاف من المهاجرة.
وداعا أيها الصديق العزيز، وإنني على الدوام صديقك المخلص.
الأعداء في الوطن
وكتب إليه صهره ريتشارد باخ يقول: إن آرثر لي ورالف ازداد من أهل بنسلفانيا المقيمين في باريس يسوءون سمعته ويشهرون به لأنه اتخذ «تمبل» حفيده سكرتيرا له مع أن أباه كان مواليا لبريطانيا العظمى، فأجابه فرنكلين بهذا الخطاب:
Bilinmeyen sayfa