Bina Umma Carabiyya
منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية على ما هي عليه اليوم
Türler
أما الخط الهمايوني فكان أكثر تحديدا ووضوحا.
بدأ الخط الهمايوني بتأكيد ما ورد في خط كلخانة، كما أكد جميع ما منحه السلاطين منذ أقدم العهود للطوائف غير الإسلامية من حقوق وامتيازات وإعفاءات.
ثم طلب إلى هذه الطوائف متفرقة أن تفحص أوضاعها ثم تتقدم إلى الباب العالي بمقترحات الإصلاح التي تتفق مع ما بلغه العصر الحاضر من تقدم في مدارج التمدن.
ويحدث الخط بعد ذلك عن إجراءات ترشيح وتعيين رؤساء الطوائف وأعضاء مجالسها، وعن إصلاح الكنائس والمدارس والملاجئ، وأمر بأن يحذف من الوثائق الديوانية كل ما كان يرد فيه من ألفاظ وصيغ مهينة لغير المسلمين من الرعايا، كما أمر بعقاب الأفراد الذين يستعملون ألفاظ السب والإيذاء والفحش ضد غير المسلمين من الرعايا. وسجل أن المناصب مفتوحة لكل من يستحقها بصرف النظر عن معتقده الديني، وكذلك معاهد التعليم العسكرية والمدنية. وفي الوقت نفسه أباح للطوائف أن تنشئ معاهد تعليم العلوم والفنون والصناعات، وكفل حرية هذه المعاهد التعليمية الطائفية على أن يكون لمجلس أعلى للتعليم مختلط التكوين إشراف على اختيار الطوائف لمدرسي تلك المدارس.
ثم نص الخط على إنشاء محاكم مختلطة، وعلى مبادئ إجراءات التقاضي، وعلى إصلاح السجون، وعلى وضع نظام الشرطة، وحرم التعذيب، ونص أيضا على مبادئ تكوين مجالس بلدية ومجالس للولايات، وعلى نظام البدل في التجنيد، وعلى وضع ميزانية مفصلة للدولة، وعلى وضع عقوبات رادعة عن الرشوة والاختلاس، وعلى تشجيع إنشاء البنوك، وعلى إصلاح النقد - وهذا كله لتكوين رءوس أموال تستخدم في تنمية الزراعة والصناعة - وعلى الاهتمام بالأعمال العامة من إنشاء الطرق والترع وتيسير سبل المواصلات، وعلى إزالة كل ما يعوق التقدم الاقتصادي. وختم الخط بالقول بأن تحقيق هذه الأغراض يكون عن طريق الانتفاع في علوم أوروبا وفنونها ورءوس أموالها.
هذا هو الخط الهمايوني، وسنعيد الكلام على «الطائفية» التي اتجه إليها هذا الاتجاه الواضح عندما نصل للحياة الدستورية العثمانية في مختلف عهودها. (4-4) الدور الرابع: ويقترن بحكم السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909)
كان عبد الحميد في زمانه ملء الأسماع؛ فهو من أطول آل عثمان مدة حكم، وهو ذو شخصية يحار فيها الناس، وهو وإن غلبت عليه الأوهام أحيانا واستولت عليه المخاوف أحيانا أخرى؛ فتصرف تصرف المذعور، أو هاج هياج المسعور؛ فإنه أبدا يحاول أن يبلغ هدفا ثابتا حتى حينما كان يسلك إليه طريقا معوجا: وضع نصب عينيه بناء دولة ترتكز على دعامتين: العثمانية والإسلامية، والعثمانية عنده رابطة تربط شعوبا تختلف أصلا وفصلا ولكنها تتفق رعوية في ملك واحد، والحركات القومية في نظر عبد الحميد تهلك دولة كالدولة العثمانية ولا تنفع أهلها في شيء، فإن نمت العاطفة القومية عند الترك مثلا فهم - لأسباب تاريخية - يقومون عندئذ ببناء دولة تركية تسود الشعوب غير التركية، وإن نمت العاطفة القومية عند غير الترك من شعوب السلطنة دفعها هذا نحو شق عصا الطاعة والارتماء في أحضان الدول الأوروبية، وإن اعتقد أحد أنها تخرج من التبعية العثمانية لتكون دولة مستقلة حقا فإن حقائق التاريخ والجغرافيا والاقتصاد تهدم هذا الاعتقاد.
فلم لا نتصور إذن إمكان إنشاء رابطة عثمانية تجعل من أبناء الطوائف والملل مواطنين في وطن عثماني واحد؛ وبناء على ذلك جعلت (بضم الجيم) العثمانية الأساس لتشريعات التابعية كما عرفوها إذ ذاك (أو الجنسية كما نقول الآن). هذا؛ ولم يقدر «للعثمانية» التغلب على العصبيات القومية من تركية أو عربية أو أرمنية أو يونانية أو ما إلى ذلك. ومع ذلك فهي جديرة بالدراسة الجدية، وهي في حقيقة الأمر من أهم مباحث تاريخ القومية العربية.
هذا عن «العثمانية». أما عن الإسلامية فإن اتخاذها دعامة لخطة الحكم كان من ناحية استجابة من السلطان لموجة من الشعور الإسلامي الصادق دفعت الأمم الإسلامية للاتجاه نحو الدولة العثمانية والالتفاف حول «الخلافة الإسلامية»، وكان السلاطين العثمانيون قد أخذوا منذ القرن الثامن عشر يهتمون بإحياء رسومها وألقابها وإبراز صلاتها بالسلطنة.
هذا جانب من الإسلامية. أما الجانب الآخر فهو سياسي؛ ذلك أن السلطان كان يستغل لحد ما مكانته لدى الشعوب الإسلامية الخاضعة للدول الأوروبية؛ ليحمل الدول الأوروبية على أن تعدل من سياستها نحوه بعض الشيء مجاراة لشعور من تحكم من المسلمين.
Bilinmeyen sayfa