Mısır'da Kaydedici Tiyatronun Başlangıcı: El-Ezher Tiyatrosu ve Hamada Paşa Davası Örneği
بداية المسرح التسجيلي في مصر: مسرحية الأزهر وقضية حمادة باشا نموذجا
Türler
تقديم
رواية الأزهر وقضية حمادة باشا
تقديم
رواية الأزهر وقضية حمادة باشا
بداية المسرح التسجيلي في مصر
بداية المسرح التسجيلي في مصر
مسرحية الأزهر وقضية حمادة باشا نموذجا
تأليف
سيد علي إسماعيل
تقديم
Bilinmeyen sayfa
قليلة ونادرة هي الكتب القديمة المجهولة التي تغير حقيقة ثابتة في مجال الأدب المسرحي، وتضيف - في الوقت نفسه - تاريخا مجهولا لم يك معروفا من قبل في تاريخ المسرح المصري. والأمر الصعب الذي يصادف الباحثين دائما هو كيفية الوصول إلى هذه الكتب؛ خصوصا إذا كان الحصول عليها أشبه بالمستحيل، وذلك لقدمها وندرة نسخها! ولحسن طالع مصر أن حباها الله بوجود المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، الذي يعتبر صرحا شامخا تفتخر به الأمة المصرية والعربية؛ لما يحتويه من كنوز تراثية فنية وأدبية يندر وجودها في أي مكان آخر.
والكتاب الذي تطلع عليه الآن - أيها القارئ العزيز - هو أحد إصدارات المركز القومي، وهو أحد الكتب القليلة النادرة التي ستغير حقيقة ثابتة في مجال الأدب المسرحي؛ تلك الحقيقة التي تغنى بها الكتاب والباحثون، والتي تقول إن بيتر فايس «الألماني» هو رائد المسرح التسجيلي في العالم منذ 1964، ولكن بعد قراءة هذا الكتاب - وتحديدا بعد قراءة البحث المرفق به - سينتابك الشك في هذه المقولة الشهيرة شيئا فشيئا؛ لتصل في النهاية إلى الاطمئنان بأن حسن مرعي «المصري» هو رائد المسرح التسجيلي منذ عام 1906.
كما أن هذا الكتاب - بالإضافة إلى بحثه المرفق - سيضيف تاريخا مجهولا لم يك معروفا من قبل في تاريخ المسرح المصري؛ حيث إن دراسات الباحثين السابقين أثبتت أن الألمان هم رواد المسرح التسجيلي في العالم منذ منتصف القرن العشرين، ولكن هذه الحقيقة التاريخية ستقف عاجزة أمام هذا الكتاب الذي يحتوي على أدلة منطقية تثبت أن مصر كانت سباقة إلى ريادة المسرح التسجيلي عالميا منذ أوائل القرن العشرين.
والكتاب الذي بين أيدينا الآن يحمل بداخله نصا مسرحيا تراثيا تم طبعه لأول مرة عام 1909، والطبعة التي بين أيدينا الآن هي طبعته الثانية؛ حيث أراد الأستاذ الدكتور سامح مهران؛ رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، إعادة نشره، فكلفني بكتابة كلمة عنه على سبيل التقديم، ولكن عندما قرأت النص قراءة متأنية اكتشفت أنني وقعت على كنز ثمين لا يمكن وأده في مقدمة أو دراسة عادية، بل يجب علي أن أكتب بحثا علميا يليق به ويتناسب مع قيمته؛ لأنني أعتبر هذا النص المسرحي اكتشافا كبيرا يضاف إلى اكتشافات الباحثين في تاريخ المسرح المصري.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا» لها قيمة تاريخية تعليمية وتربوية، بالإضافة إلى قيمتها الفنية؛ حيث إنها تؤرخ لأول اعتصاب قام به طلاب الأزهر الشريف طوال تاريخ الأزهر الديني والتعليمي، وهذا الاعتصاب أخذ شكل ثورة ومظاهرات قام بها الطلاب من أجل إلغاء قانون الأزهر عام 1908، الذي كان يهدف إلى تغيير بعض المناهج الدراسية، وإضافة مناهج جديدة ومواد علمية معاصرة؛ بهدف تطوير الأزهر علميا في الظاهر، وتقليل أهميته الدينية والتعليمية وإضعاف أثره الاجتماعي في الباطن.
لذلك رفض طلاب الأزهر هذا المخطط، وقاموا بالاعتصاب، وامتنعوا عن تلقي الدروس، وأصبح الأزهر خاويا من طلابه وعلمائه طوال شهر كامل، فقام الخديوي وحكومته بتهديد المعتصبين بقطع جراياتهم، فلم ينجحوا في إثناء الطلاب عما عزموا عليه، فقاموا بقطع رواتبهم فصمد الطلاب أكثر فأكثر! فقاموا بمخالفة القوانين بتجنيدهم في الخدمة العسكرية، فتقبل المعتصبون الأمر بشجاعة فائقة! فقاموا بإحاطة الأزهر بالعساكر والسلاح، فلم يكترث المعتصبون بالأمر! فقاموا بإدخال القوة العسكرية إلى صحن الأزهر، فكظم المعتصبون غيظهم! فقام حمادة باشا وأعوانه بجلد الأزهريين داخل الجامع الأزهر، وحول الرواق العباسي إلى سجن زج فيه المعتصبين ... وهنا هاج الشعب المصري ووقف بجانب الأزهريين، وأصبحت القضية قضية رأي عام لم يستطع الخديوي وأعوانه الصمود أمامها، فرضخ أخيرا لمطالب الأزهريين وألغى قانون الأزهر الجديد، وأعاد العمل بالقانون القديم!
الأزهر الشريف.
هذه الحادثة التاريخية التي حدثت منذ قرن تقريبا لا يستطيع المرء حيالها إلا أن يتساءل: أكان الأزهريون مصيبين حقا في ثورتهم ضد تغيير المناهج الدينية وإدخال بعض العلوم العصرية في النظام التعليمي للأزهر الشريف؟ أم كانوا مخطئين؟! أليسوا بثورتهم هذه قد أخروا تطوير التعليم في الأزهر عدة أعوام؟! ماذا كان سيحدث لو قبل الأزهريون تغيير المناهج وإدخال العلوم العصرية في مناهج الأزهر الشريف الدينية منذ عام 1908؟! وهل كان هذا الأمر له علاقة بما حدث منذ وقت قريب - وما زال يحدث حتى الآن - من الدعوة إلى إعادة النظر في مناهج التربية الإسلامية ومناهج اللغة العربية في البلدان الإسلامية والعربية بحجة التطوير والإصلاح؟! أم أن هذه الدعوة تهدف إلى عزل العربي والمسلم عن هويته وعقيدته؟! ... مجرد سؤال!
وفي نهاية هذه الكلمة، أتوجه بخالص الشكر إلى الأستاذ الدكتور سامح مهران؛ رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية؛ لتكليفه إياي بكتابة هذا البحث الخاص بمسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، وإتاحة الفرصة كي أضيف حجرا جديدا في بناء تاريخ ومكانة مسرحنا المصري؛ فإقدام الدكتور سامح مهران على نشر هذه المسرحية يعتبر خطوة جديدة من خطواته السديدة في سبيل الحفاظ على تراث أمتنا المصرية، وكذلك أتوجه بالشكر إلى كافة العاملين بالمركز القومي، وفي مقدمتهم: رضا فريد يعقوب، وأحمد محمد عبد الله، ورانيا عبد الرحمن ... باعتبارهم قادة إدارة التراث المسرحي؛ تلك الإدارة التي تمثل عصب تراث المسرح المصري في المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية.
أولا: الإطار العام (1) الموضوع
Bilinmeyen sayfa
يعالج هذا البحث موضوع «ريادة المسرح التسجيلي في مصر» متخذا من مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا» نموذجا، ويقصد ببداية المسرح التسجيلي تلك الإرهاصات المبكرة للإبداع المسرحي التسجيلي؛ التي اتكأت على أحداث التاريخ توثقها وتسجلها طبقا للمفهوم العلمي للمسرح التسجيلي وسماته المتنوعة كما جاءت في الدراسات التنظيرية والتطبيقية المترجمة عن الألمان، وكذلك في الدراسات العربية. وقد اتخذت الدراسة من المبدع «حسن مرعي» نموذجا لذلك المسرح، تحديدا في الأنموذج المختار؛ وهو مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، المؤلفة في وقت مبكر عام 1909 من أجل تعقب السمات الفنية للمسرح التسجيلي من خلال التحليل؛ طبقا لمعايير الدراسة التي يتبناها البحث للتحقق من أهدافه المرجوة. (2) أهمية الدراسة وأسباب اختيار الموضوع
تعد دراسة المسرح التسجيلي واحدة من أهم دراسات الأجناس الأدبية لفن له خصائصه الدقيقة والمتميزة ؛ حيث إن خيال المبدع فيه محكوم بأطر فنية وأهداف؛ إذ هو لا ينقل لنا تاريخا واقعا كما هو في سرد الأحداث بالحياة. ومن جانب آخر، فهو لا يخرج عن إطار التاريخ والأحداث، وبين هذه وتلك فإنه لا يقع على مجرد حوادث عابرة، ولكنه يقف إزاء قضية لها قيمتها الاجتماعية والإنسانية، يتبنى منها موقفا ينبثق منه خياله الإبداعي، متجسدا في الرؤى الفنية التي يلبسها للأحداث من خلال مسرحتها، بشكل لا يخل بالحقيقة التاريخية؛ ولكنه تحت قناع المسرح في العمل الفني؛ ومن ثم فإن أهمية هذه الدراسة تتمثل في محاولة إلقاء الضوء على باكورة المسرح التسجيلي ونشأته في مصر عام 1909، قبل أن يبتكره الألمان في ستينيات القرن العشرين تطبيقا وتنظيرا، كما أكدت على ذلك بعض الدراسات الحديثة.
ومن زاوية أخرى، فإن الدراسة تحاول أن تميط اللثام عن أحد رواد هذا اللون المسرحي في مصر؛ لتستوضح مدى الدور الريادي الذي يمكن أن ينسب إليه بوضعه على محك معايير التأليف في هذا الفن، ومن ثم يمكن دحض ما أقرته بعض الدراسات العربية من أن مصر وليبيا عرفتا هذا اللون المسرحي في سبعينيات القرن العشرين.
1
هذا بالإضافة إلى أن ندرة النص المسرحي الذي تتناوله الدراسة في هذا الفن يجعل منه قيمة جديرة بالدراسة؛ للتحقق من سمات الإبداع الفني فيه، في وقت عاش فيه المؤلف أحداثه ورصدها فنيا، ومنع فيه العمل من التمثيل؛ حيث لا تتوافر - على حد تعقبي للموضوع - من العمل المطبوع غير نسختين؛ الأولى: محفوظة بدار الكتب المصرية وممنوع الاطلاع عليها بسبب تمزقها وتهالكها،
2
والأخرى: محفوظة بالمركز القومي للمسرح والموسيقى: وهي في حالة جيدة نوعا ما، وهي النسخة التي اعتمدت عليها الدراسة. (3) الدراسات السابقة
لم تعن دراسة سابقة - على حد اطلاعي - بتناول أعمال حسن مرعي بالدراسة والتحليل من أية وجهة فنية؛ ناهيك عن مسرحيته «الأزهر وقضية حمادة باشا» على وجه الخصوص، إلا أننا إذا نظرنا إلى الموضوع من دائرة أوسع فيما يخص المسرح التسجيلي: تاريخه وتحديد مفهومه؛ فإننا نجد هناك دراسات عديدة نظرية وتطبيقية تتناوله - خصوصا عن الكتاب الغربيين - ومن هذه الدراسات: معالجة جلال العشري - في صفحات قليلة - مفهوم المسرح التسجيلي في كتابه «لن يسدل الستار: اتجاهات المسرح المعاصر» الصادر عام 1967؛ حيث وضح دور بيتر فايس في ازدهار هذا اللون المسرحي من خلال الإشارة إلى بعض مسرحياته. وتناول الدكتور يسري خميس في تقديمه لمسرحية «مارا صاد»، لبيتر فايس، المنشورة في سلسلة روائع المسرحيات العالمية عام 1967، مفهوم المسرح التسجيلي، وحدد عناصره، وتبنى رأيا يذهب إلى أن الكتاب الألمان هم المؤسسون الفعليون للمسرح التسجيلي.
وتعد دراسة بيتر فايس عن المسرح التسجيلي، التي نشرت لأول مرة في مارس 1968 بمجلة
Theater Heute
Bilinmeyen sayfa
الألمانية، الدراسة النظرية الأولى لأسس وملامح ومميزات المسرح التسجيلي. وقد ترجمها ونشرها الدكتور يسري خميس في مقدمته لمسرحية «أنشودة أنجولا» لبيتر فايس؛ التي صدرت ضمن سلسلة من المسرح العالمي في نوفمبر 1970 بالكويت. وفي هذه الدراسة وضع بيتر فايس ملاحظات كثيرة حول المسرح التسجيلي؛ ومنها: أن المسرح التسجيلي مسرح تقريري، وأنه جزئية من مكونات الحياة العامة تعكس بشكل ما وجهة نظر الجماهير العريضة، وأنه مسرح يقف ضد كل الفئات التي يهمها خلق ذلك الجو السياسي المضبب والمظلم والمزيف، وأنه يكتسب أصالته الكاملة من تفسيره للواقع، وأن قوته في أنه يختار من جزئيات الواقع عينة قابلة للاستعمال والعرض نموذجا للأحداث الحاضرة والمهمة، وأنه يضع الحقائق تحت منظار التقييم، وأنه مسرح متحيز، وأغلب موضوعاته لا يمكن أن تقود إلا إلى إدانة موقف معين.
وعالج الدكتور عبد القادر القط في كتابه «من فنون الأدب: المسرحية»، الصادر عام 1978 - من خلال صفحات قليلة - معنى المسرح التسجيلي مع ذكر بعض خصائصه؛ مشيرا في ذلك إلى دراسة بيتر فايس النظرية. وتنتظم دراسة الدكتور علي الراعي في كتابه «المسرح في الوطن العربي»، الصادر عام 1980 بالكويت، سلك هذه الدراسات التي عنيت بمفهوم المسرح التسجيلي؛ حيث تحدث في صفحتين عن مسرحية «يوم الهاني»، الصادرة عام 1976، للكاتب الليبي «الأزهر أبو بكر حميد»، التي اعتبرها د. علي الراعي مسرحية تاريخية لا مسرحية تسجيلية، كما قال مؤلفها.
وتعرض الدكتور إبراهيم حمادة في كتابه «معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية»، الصادر عام 1985، لتعريف مصطلح المسرح التسجيلي، كما تناول الدكتور فاروق عبد القادر في كتابه «مساحة للضوء مساحات للظلال: أعمال في النقد المسرحي»، الصادر عام 1986، بصورة سريعة، معنى المسرح التسجيلي من خلال حديثه عن بيتر فايس، وهو المسلك ذاته الذي صنعه الدكتور أحمد العشري في كتابه «مقدمة في نظرية المسرح السياسي»، الصادر عام 1989؛ حيث وضح سريعا تعريف المسرح التسجيلي. (4) المادة عينة الدراسة ومعايير الاختيار
إذا كانت الدراسة قد حددت لنفسها نقطة محددة الأبعاد في المسرح التسجيلي - لما ذكر قبلا من أسباب - فإن مقتضى البحث العلمي يوجب على البحث أن يحدد بدقة مبنية على معايير واضحة المادة التي من خلالها ستتم معالجة الموضوع من خلال ثلاث نقاط كالآتي: (أ) المؤلف وتاريخه الفني
يعد حسن مرعي من الشخصيات المغمورة تاريخيا في هذا المجال - وهذا شأن البدايات - حيث لا يوجد في الدراسات الحديثة، على قدر اطلاعي، ترجمة وافية تناولت حسن مرعي، ولا يوجد أيضا من كتب عنه أو عن مسرحياته، كما ذكرت الدراسة، من قبل. وما استطاعت الدراسة الحصول عليه عن حسن مرعي هو بعض الأخبار التي نشرت في الدوريات القديمة؛ يمكن من خلالها أن يحدد على وجه التقريب إبداعه المسرحي ونشاطه الفني مع بعض ملامح شخصيته، وهو أمر مهم بالنسبة للبحث لاختبار سبق الريادة في المجال، وكذلك لتحديد آثار الشخصية في العمل الإبداعي.
والأخبار التي بين يدي الدراسة تقول: إن حسن مرعي ولد عام 1880 تقريبا، حيث كان ممثلا شابا بتياترو ألف ليلة وليلة عام 1899، وخصص له إيراد إحدى ليالي تمثيل مسرحية «عرابي باشا»،
3
وفي بدايات القرن العشرين اتجه إلى الصحافة؛ حيث كان صاحب مجلة الصحائف،
4
وفي يوليه عام 1906 ألف أول مسرحية له؛ وهي «صيد الحمام أو حادثة دنشواي». وقد كتبها بعد أقل من شهر من وقوع حادثة دنشواي المشهورة، ثم عزم على تمثيلها بمسرح حديقة الأزبكية في شهر أغسطس؛ ولكن الحكومة منعت تمثيلها، فقام بطبعها وبيعها لعامة الناس.
Bilinmeyen sayfa
5
وفي الذكرى الثانية لمذبحة دنشواي حاول حسن مرعي إعادة الكرة مرة أخرى؛ حيث عزم على تمثيل مسرحيته «دنشواي» في يوليه 1908، فتقدم إلى نظارة الداخلية للحصول على تصريح بتمثيلها، ولكن الداخلية بعد أن أخذت رأي الحكمدارية رفضت رفضا باتا قبول تمثيل هذه المسرحية.
6
حسن مرعي.
وفي مارس 1909، نشر حسن مرعي مسرحيته الثانية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، وقد ضمنها حادثة اعتصاب طلاب الأزهر.
7
وفي الذكرى الثالثة لحادثة دنشواي احتال حسن مرعي على القانون، فعزم على تمثيل مسرحيته «دنشواي» على مسرح النوفتيه بالتوفيقية دون التصريح له من قبل الداخلية، فقام بطبع التذاكر وتوزيعها على الناس. ولكن اكتشف أصحاب المسرح هذا الأمر فأبلغوا قسم الموسكي، وتم القبض عليه واتهامه بالنصب والاحتيال، وانتهت القضية ببراءته لعدم ثبوت نية النصب والاحتيال لديه.
8
وأمام هذا الأمر نشرت جريدة الأخبار في 2 / 4 / 1911 خبرا قالت فيه: «أصدرت المحافظة منشورا إلى الأقسام بمنع تمثيل خمس روايات؛ وهي: رواية إسرائيل، والوقائع المدهشة، ونابليون، والأزهر، ودنشواي، وشددت على المأمورين بملاحظة ذلك.» وهذا الخبر يشير إلى أن حسن مرعي حاول أكثر من مرة تمثيل مسرحيته دون جدوى؛ مما دعا المحافظة إلى تعميم مصادرة المسرحيتين مع المسرحيات الأخرى المذكورة في الخبر.
وتتوقف الأخبار عن حسن مرعي بضع سنين، بعدها يلاحظ ظهوره مرة أخرى عام 1915؛ لنكتشف أنه كان نزيلا في مستشفى المجاذيب، وقد هرب منها بعد أن تنكر في ملابس سيدة! وبعد هروبه ساعدته فرقة إخوان عكاشة بإعطائه إيراد ليلة خيرية مثلت فيها مسرحية «جناية الملكة»، وقامت بتعيينه وكيلا لها في توزيع التذاكر.
Bilinmeyen sayfa
9
ويتنقل حسن مرعي بعد ذلك بين الفرق المسرحية؛ إذ عمل ممثلا عند الريحاني تارة، وإداريا بمسرح برنتانيا، ووكيل إدارة مسرح الماجستيك تارة أخرى.
10
وفي عام 1921 كون فرقة مسرحية أطلق عليها اسم «فرقة الكوميدي العصري»، ومثل بها عدة مسرحيات بمدينة بورسعيد.
11
في عام 1925، كتبت مجلة التياترو المصورة كلمة عن حسن مرعي بوصفه مديرا مسرحيا، فأشادت فيها بكفاءته وحزمه وحسن تصرفه في الإدارة المسرحية، كما حمدت له صراحته وعدم تزلفه للآخرين، وقدرت عدم خشيته أو رهبته أمام عظائم الأمور.
12
وهذا في حد ذاته يعني أن الحس الفني لدى حسن مرعي كان متأصلا في وجدانه، وهذا ما دفع الدراسة إلى أن تجعل منه نموذجا لتحليل عمله. ومن الجدير بالذكر أن الكلمة التي نشرت في مجلة التياترو المصورة كانت آخر ما توفر لدى البحث من أخبار عنه. بعدها اختفت الأخبار عن ذكر حسن مرعي - على حد علمي - ولعله مات بعد ذلك.
13 (ب) المسرحيات
يتمثل نتاج حسن مرعي طبقا للمتاح بين يدي الدراسة من مصادر ومراجع في مسرحيتين؛ الأولى: «حادثة دنشواي» عام 1906، والأخرى: «الأزهر وقضية حمادة باشا» عام 1909. وستتناول الدراسة المسرحية الثانية - رغم أن المسرحيتين مشتركتان في عنصري الطباعة والمنع من التمثيل - لأن مسرحية دنشواي مفقودة حتى الآن، ولا توجد منها نسخة في دار الكتب أو في المركز القومي للمسرح. وهذا يعني أن 50٪ من نتاج حسن مرعي الفني ليس متوافرا؛ ومن ثم اعتمدت الدراسة على المسرحية الثانية نموذجا للتحليل والتطبيق، وهي تمثل 50٪ من نتاجه. وهذه المسرحية تقع في أربعين ورقة من القطع الصغير، ستتناولها الدراسة كاملة مع استكشاف السمات الفنية، وعلاقة الحدث الدرامي بالحدث التاريخي ... إلخ أهداف البحث المنطوية عليها الدراسة. (ج) الحدث التاريخي
Bilinmeyen sayfa
اعتمدت مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا» على حدث تاريخي سجله الكاتب فنيا، وهذا الحدث عني به مصدران للكشف عن لثامه؛ الأول: العمل الفني، والثاني: ما سجلته الصحف في تاريخ القضية إبان وقوعه؛ لذلك فقد جعل من تلك الصحف مصدرا مساندا للعمل؛ لكون الدراسة تبحث عن سمات المسرح التسجيلي، وكيفية توظيف الحدث فنيا بطريقة لا تخل به واقعيا؛ ولهذا فقد تعقبت الدراسة الصحف التي عنيت بالموضوع، فوقعت على ثلاث صحف قامت بتسجيل الأحداث التاريخية التي تناولتها المسرحية بطريقة فنية؛ وهذه الصحف هي: الجريدة واللواء والمؤيد، ويقوم هذا التحديد على ثلاثة معايير؛ الأول: أنها أكثر الصحف تسجيلا لهذه الأحداث، والثاني: أن بعضها ذكر في نص المسرحية، والثالث: أن مظاهرات طلبة الأزهر توجهت إليها أثناء مسيرتها. وبالرغم من ذلك فسيكون اعتماد الدراسة الأساسي على جريدة الجريدة؛ لأنها كانت جريدة محايدة في الأحداث، بعكس جريدة اللواء التي وقفت بجانب اعتصاب الطلاب وساندتهم، وبعكس جريدة المؤيد التي وقفت ضد اعتصاب الطلاب وهاجمتهم. (5) المنهج والأدوات
لقد حاول البحث أن يجد لنفسه منهجا يمكنه من الوصول إلى أهدافه بيسر ووضوح؛ فاختار المنهج التكاملي الذي يأخذ بحظ من المناهج الأدبية المختلفة؛ كالفني والتحليلي والتاريخي والنفسي والوصفي، الأمر الذي يمكن الدراسة من استقصاء الظواهر المختلفة التي تناولها النص المسرحي، وهو ما يخدم أيضا الأهداف التي تطمح إليها الدراسة. ومن أجل ذلك، ستقوم الدراسة بمعالجة عناصر المسرحية تبعا لتعريف ومفهوم وسمات المسرح التسجيلي، وذلك في ضوء الأحداث التاريخية الفعلية التي صاحبت اعتصاب طلاب الأزهر عام 1909. (6) أهداف الدراسة
إذا كان لكل عمل علمي أهداف يطمح إلى التحقق منها، فقد اختار الباحث هذا الموضوع على وجه الخصوص، وهذه المسرحية وتلك القضية على وجه التحديد؛ وعني بالمنهج والأدوات سالفة الذكر بغية الوصول إلى: (أ)
تتبع بواكير المسرح التسجيلي في مصر. (ب)
تبين سمات المسرح التسجيلي في مسرحية الأزهر وقضية حمادة باشا. (ج)
استيضاح الفروق الفنية للأحداث بين الواقع التاريخي والإبداع الفني. (د)
استكشاف أسس المسرح التسجيلي بين التنظير والتطبيق.
ثانيا: الدراسة التحليلية (1) بواكير المسرح التسجيلي في مصر
لقد رصدت الدراسات التي دارت حول المسرح التسجيلي
Documentry Theater
Bilinmeyen sayfa
ملامح هذا المسرح، وحددتها في كونه مسرحا تقريريا يختار مادته من الصحف والأخبار والخطب والبيانات والإحصاءات ... إلخ، ثم تكتب أو تعرض بصورة فنية بحيث لا تبدو المسرحية تسجيلا خالصا للوقائع والأحداث. وعملية اختيار المادة تتم تبعا للموضوع الاجتماعي أو السياسي المشتمل على مضمون إنساني عام يعكس - بشكل ما - وجهة نظر الجماهير العريضة؛ أملا في إبراز عنصر التهييج السياسي في إدانة موقف معين. ولا بد للمؤلف أن يكون محايدا أمام الحادثة التاريخية، ويستطيع إبداء وجهة نظره الإيجابية في الحادثة بصورة غير مباشرة، من خلال اختيار الأحداث وطريقة ترتيبها، دون أن يجعل من نفسه قاضيا على التاريخ.
14
وإذا نظر في تاريخ المسرح المصري - من خلال هذا التعريف - منذ بدايته وحتى عام 1906، فسيلحظ أن أقوى احتمال هو القول بأن معظم المسرحيات التي عرضت، أو التي نشرت في مصر في هذه الفترة لا ينطبق عليها تعريف المسرح التسجيلي. وهذا الحكم جاء بناء على دراسة سابقة؛
15
حيث إن المسرحيات في هذه الفترة تتنوع بين المسرحيات التاريخية، والمسرحيات المترجمة، والمسرحيات الكوميدية، والمسرحيات المعتمدة على التراث الشعبي ... إلخ الأنواع المسرحية التي لا تعزى للمسرح التسجيلي.
ويشذ عن هذا الأمر مسرحية واحدة هي مسرحية «أدهم باشا»،
16
من الممكن تجاوزا أن يطلق عليها مسرحية تسجيلية بناء على ما بين يدي الدراسة من أخبار عنها؛ ففي مارس 1897 نشبت الحرب بين تركيا واليونان، وانتهت بانتصار تركيا بقيادة أدهم باشا،
17
وبعد انتهاء الحرب بقليل مثلت مسرحية باسم «أدهم باشا» في بعض الأقاليم المصرية؛ ظهرت فيها قوة ومهارة الباشا في هزيمة اليونانيين، مما أثر على نفسية الجالية اليونانية في مصر، فحدثت مشاكل بينها وبين من قاموا بتمثيل هذه المسرحية. وفي سبتمبر 1897، عزمت جمعية الاتحاد على تمثيل المسرحية مرة أخرى بالمنصورة، فنبهتها جريدة المقطم إلى عواقب ذلك، وطالبتها بحذف ما يجرح مشاعر اليونانيين منها. وفي يناير 1898، أرادت جمعية السراج المنير تمثيل المسرحية بالمسرح العباسي بالإسكندرية، ولكن محافظ المدينة وحكمدارها منعا تمثيلها رعاية لمشاعر الجالية اليونانية في الإسكندرية.
Bilinmeyen sayfa
18
وبناء على هذه الأخبار، يمكن القول إن هذه المسرحية تجاوزا مسرحية تسجيلية؛ وذلك لأن الدراسة لا تملك الدليل على أن تأليفها جاء من خلال أقوال الصحف والتقارير الرسمية التي تحدثت عن هذه الحرب في هذا الوقت، كما أنها لا تملك الدليل على أن هذه المسرحية مؤلفة؛ لأنه من الممكن أن تكون مترجمة عن التركية، ولا تملك أيضا الدليل على أن مؤلفها مصري، فربما يكون تركيا. وأخيرا لا يمكن الجزم أن هذه المسرحية منشورة؛ لعدم وجودها في فهارس دار الكتب أو في مقتنيات المركز القومي للمسرح، والأرجح أنها مسرحية مخطوطة ومفقودة. وهذه الأمور كلها لا تتوافر لها أدلة قاطعة لتثبت أن مسرحية «أدهم باشا» مسرحية تسجيلية بصفة نهائية. ويبقى الأمر مجرد احتمال يفتح طريقا للبحث لتعقبه، أو ربما يتعقبه آخرون.
وإذا عادت الدراسة مرة أخرى إلى تعريف المسرح التسجيلي ستجده مسرحا يعبر عن وجهة نظر الجماهير العريضة؛ أملا في إبراز عنصر التهييج السياسي في إدانة موقف معين. وهذا التعريف بهذا الوصف يحمل بين جنباته موانع رقابية لم تسمح بها أية رقابة مسرحية في مصر طوال تاريخها السياسي؛ فمن غير المعقول أن توافق الحكومة أو السلطة على عرض مسرحية تعبر عن الرأي العام للجمهور في قضية مثارة في الصحف بهدف التهييج السياسي وإدانة موقف معين؛ لأنه من المحتمل - بل من المؤكد - أن هذه الإدانة ستكون موجهة إلى الحكومة أو السلطة الاستعمارية؛ ولهذا السبب ترجح الدراسة أن المسرح التسجيلي في مصر هو المسرح المرفوض رقابيا لأسباب سياسية أو اجتماعية.
وبالعودة إلى تاريخ المسرح المصري منذ نشأته حتى عام 1906، وبالنظر إلى المسرحيات المرفوضة رقابيا؛ سيبرز جليا أنها مسرحيات مرفوضة لأسباب دينية، مثل مسرحية «يوسف» عام 1891، ومرفوضة لأسباب شخصية، مثل مسرحية «قطب العاشقين» عام 1901؛ حيث إنها تعرضت لشخصيات مهمة بالتجريح والتشويه،
19
فضلا عن مسرحية «أدهم باشا» - التي ذكرت قبلا - مع التحفظ في الجزم بأنها مسرحية تسجيلية لما قيل آنفا.
وإذا كانت الدراسة قد جعلت من عنصر الزمان معيارا لتعقب بواكير الريادة في المسرح التسجيلي، فاتخذت من عام 1906 حدا للبحث عن ظهور المسرح التسجيلي في مصر، لكونها تعتقد أن هذا المسرح ظهر في مصر على يد حسن مرعي، عندما كتب مسرحيته «صيد الحمام» أو «حادثة دنشواي» عام 1906. وهذا الاعتقاد - رغم عدم وجود النص وفقدانه حتى الآن - يرجع إلى المنطق وبعض الأخبار المتوفرة عن المسرحية، التي تشير إلى تطابق تعريف المسرح التسجيلي على هذه المسرحية.
فإذا كان المسرح التسجيلي هو مسرح تقريري يختار مادته من الصحف بصورة فنية؛ فإن مسرحية دنشواي لحسن مرعي أقرت حقيقة الحادثة - بدليل عنوانها «صيد الحمام» أو «حادثة دنشواي» - وقد اختار مؤلفها مادتها من الصحف؛ لأنه كان في ذلك الوقت صحافيا يمتلك مجلة الصحائف. ولا توجد صحيفة في ذلك الوقت لم تتحدث عن حادثة دنشواي.
20
وقد قام المؤلف بصياغة مادته الصحفية بصورة فنية، بدليل أن الجنس الأدبي الذي خرجت فيه هو الأدب المسرحي، أي لا بد من وجود شخصيات وحوار وحدث وزمان ومكان ... إلخ، وهذا كله يؤكد أن صياغة المادة جاءت بصورة فنية تبعا لقواعد الكتابة المسرحية.
Bilinmeyen sayfa
وإذا كان المسرح التسجيلي يعكس - بشكل ما - وجهة نظر الجماهير العريضة، أملا في إبراز عنصر التهييج السياسي في إدانته موقفا معينا تبعا لتعريفه. إذا كان الأمر كذلك فإن الدراسة لاحظت أن مسرحية دنشواي لحسن مرعي عبرت عن وجهة نظر الجماهير المصرية في ذلك الوقت، وأدانت المحاكمة والاستعمار ودور اللورد كرومر. والدليل على ذلك - رغم عدم وجود النص بين يدي الدراسة - أن المسرحية منعت من التمثيل بأمر من الحكومة والاستعمار. وكفي بالدراسة للتدليل على ذلك ذكر قول جريدة اللواء بتاريخ 12 / 7 / 1906: «منعت الحكومة تمثيل رواية «حادثة دنشواي» التي سبق الإعلان عن تمثيلها يوم 19 أغسطس القادم في تياترو حديقة الأزبكية بمعرفة حسن أفندي مرعي؛ حتى لا تزيد الناس أشجانا، والقلوب أحزانا، بعرض أفظع مظهر من مظاهر القسوة والجبروت.»
لم يبق أمام الدراسة غير التحقق من أن مسرحية «دنشواي» لحسن مرعي اشتملت على عنصر التهييج السياسي. وهذا الأمر لا بد فيه من الاطلاع على نص المسرحية، وهذا أمر ليس متاحا الآن، ولكن - لحسن الحظ - أن عبد الحليم دولار
21
ألف قصة بعنوان «حمام أم حمام دنشواي»؛ كتب في مقدمتها المؤرخة في 20 / 7 / 1906 - مقارنا بين عمله وبين عمل آخر يدور حول حادثة دنشواي - قائلا: «... ولم يكن القصد من وضعها - أي قصته - إلا التفكه بمطالعتها وقت الخلو من العمل، وليس لباعث سياسي يحرك مكامن القراء، ويوقظ في قلوبهم مرامي الهيجة كما خاض البعض في بحار السياسة، فجمع روايته
22
على مبدأ يخالفني تماما، والفرق بين خطتي والخطة التي سلكها بعيد بمراحل شاسعة.»
23
وعلى الرغم من عدم ذكر العمل الآخر الذي يقارن عبد الحليم دولار عمله به، إلا أن كلامه يخص مسرحية «حادثة دنشواي» لحسن مرعي، والدليل على ذلك عدم وجود أي عمل قصصي أو مسرحي يخص حادثة دنشواي قبل صدور قصة دولار غير مسرحية «حادثة دنشواي» لحسن مرعي.
24
وبناء على ذلك يعتبر كلام عبد الحليم دولار دليلا قويا على أن مسرحية «دنشواي» لحسن مرعي كانت تشتمل على عنصر التهييج السياسي، وبذلك يتطابق تعريف المسرح التسجيلي على مسرحية «حادثة دنشواي». وبناء على ما سبق، يمكن القول - وبتحفظ شديد - إن حسن مرعي يعتبر أحد رواد المسرح التسجيلي في مصر، إن لم يكن الرائد بالفعل. (2) سمات المسرح التسجيلي في مسرحية الأزهر
Bilinmeyen sayfa
على الرغم من التحفظ الشديد في القول بأن حسن مرعي يعتبر من رواد المسرح التسجيلي في مصر - إن لم يك رائده بالفعل - بناء على مسرحيته «دنشواي» المفقودة؛ فإن هذا التحفظ له وجه آخر عندما تتناول الدراسة مسرحيته الثانية «الأزهر وقضية حمادة باشا» عام 1909؛ وذلك لأن نص المسرحية بين يدي الدراسة، ثم يمكن اختبار معايير المسرح التسجيلي من خلالها - كما مر ذكره آنفا - خصوصا تعريف المسرح التسجيلي. ولكن الملاحظ على هذا التعريف أنه جاء بصورة جامعة لسمات عديدة أوردتها الدراسات السابقة عن المسرح التسجيلي. وطالما النص في حوزة الدراسة الآن، فيجب عليها عدم الاكتفاء فقط بتطبيق تعريف المسرح التسجيلي عليه، بل يجب عليها التحقق من توافر سمات المسرح التسجيلي فيه؛ لذلك فإنه من المفيد لمنهج البحث أن تكون الخطى منظمة من خلال نقطتين؛ أولاهما: عرض ملخص عام لفصول العمل المسرحي المناط بالتحليل، وثانيتهما: اختبار السمات الفنية للمسرح التسجيلي من خلال النص المسرحي المتاح بين يدي الدراسة على النحو التالي: (أ) ملخص عام للمسرحية
تقع مسرحية حسن مرعي «الأزهر وقضية حمادة باشا» عام 1909 في أربعة فصول. أدار أحداث الفصل الأول في ساحة الدرس بالأزهر الشريف من خلال حوار بين الطلاب والعلماء حول مطالب مشروعة من قبل الطلاب؛ يطالبون فيها بتحسين أحوالهم الدراسية والمعيشية التي ساءت بسبب فرض قانون جديد طبق عليهم في الأزهر. وتصاعدت وتيرة الحوار بينهم لتصل إلى درجة اتهام الحكومة والخديوي بسرقة أموال أوقاف الأزهر، وحرمان الأزهريين من حقهم فيها. وينتهي الحوار بإعلان الطلبة اعتصابهم؛ أي امتناعهم عن حضور الدروس في الأزهر حتى تجاب مطالبهم.
وأمام هذا الاعتصاب يجتمع شيخ الأزهر مع علماء وشيوخ الجامع لمعالجة هذا الأمر، ويفهم من الحوار أن شيخ الأزهر قدم مطالب الطلاب إلى أولي الأمر، ولكنهم لم يستمعوا إليه ولم يهتموا بالأمر بسبب تدخل الغرباء في شئوننا - على حد قول المسرحية - ويقصد بذلك الإنجليز. وعندما يلمح أحد الشيوخ بأن الأزهر من اختصاص الخديوي شخصيا ولا دخل للإنجليز في أموره يتصاعد الحوار، ويبين - بصورة تهكمية - أن الخديوي لا يهتم بالأزهر بقدر اهتمامه بتجارته وزراعته الخصوصية، واستبدال أراضيه بأملاك أخرى من الأوقاف، والاحتفاظ بأموال الأوقاف المخصصة للأزهر في خزانته الشخصية. وفي هذا الوقت تأتي الأخبار بأن اعتصاب الطلبة وصل إلى درجة الهياج والثورة، فيقوم شيخ الأزهر بطلب قوة عسكرية للمحافظة على الأمن.
وتنتقل الأحداث في الفصل الثاني إلى قصر عابدين لنرى اجتماعا بين شيوخ الأزهر ورئيس الوزراء وبعض الوزراء المعنيين. وفي هذا الاجتماع نعلم أن الخديوي متغيب لتفقد مزارعه الخاصة، فيطلب شيخ الأزهر من رئيس الوزراء التصرف في أمر اعتصاب الطلبة، فيرد عليه بأنه اكتفى بوجود القوة العسكرية التي تحيط بالجامع الأزهري، وهنا تثور ثورة شيخ الأزهر على الجميع لعدم اكتراثهم بالأمر بالصورة المطلوبة، كما أظهر استياءه من وجود هذه القوة العسكرية التي أحالت الأزهر إلى ساحة حرب لا ساحة علم ودين. وأثناء هذا النقاش تسمع أصوات طلبة الأزهر خارج أسوار قصر عابدين مطالبين بحقوقهم المهضومة، بعد أن قاموا بمظاهرة سلمية واصلت طريقها إلى قصر عابدين، فيقوم رئيس الوزراء بإبلاغ الجموع المحتشدة من الطلاب بأن الخديوي سوف ينظر في مطالبهم قريبا؛ وذلك تسكينا لثورتهم.
وتنتقل الأحداث بعد ذلك إلى ساحة حديقة عامة بالجيزة اجتمع فيها الطلاب المعتصبون، ووقف بينهم خطيب ألقى خطبة حماسية؛ أبان فيها مطالب الأزهريين، كما أبان عيوب النظام الجديد الذي طبق في الأزهر، ومن ذلك: أن العلوم الدراسية المستحدثة في الأزهر أحيل تدريسها إلى أساتذة غير أكفاء، هذا بالإضافة إلى زيادة عدد الساعات الدراسية، حتى إن الطالب لا يجد وقتا لدراسة ما هو مقرر عليه، كما أن الفقر يزداد يوما بعد يوم على طلاب الأزهر، لدرجة أن الطالب لا يجد ثمن الكتب والأدوات المدرسية؛ وذلك بسبب نهب الحكومة لأموال الأوقاف الأزهرية. ويطالب هذا الخطيب رجال الفكر والثقافة والصحافة ونواب الأمة وأعضاء الجمعية العمومية بالوقوف بجانبهم حتى تجاب مطالبهم، ثم تتوالى الخطب الحماسية بعد ذلك من قبل الطلاب؛ لتبين أمورا كثيرة وشروحا أكثر حول هذه المطالب.
وفي الفصل الثالث، تسير هذه الجموع الحاشدة من الطلاب المعتصبين في شوارع القاهرة في مظاهرة سلمية منظمة، في حماية قوة عسكرية تسير بجانبهم، وهم يهتفون بإحياء الإسلام والدين والأزهر والطلبة والخديوي وجريدة اللواء. وعندما وصل الطلاب بمظاهرتهم إلى شارع محمد علي وأمام مبنى جريدة المؤيد، قام عمال المؤيد برشقهم بالحجارة، فشهد هذا الأمر رئيس القوة العسكرية، ووعد الطلاب بأنه سيكون شاهدا على هذه الواقعة، وتدور مناقشات داخل دار المؤيد بين صاحبه الشيخ علي يوسف،
25
وبين مديره سركيس،
26
انتهت بقيام سركيس بإبلاغ المحافظة أن الطلاب يرشقون مبنى الجريدة بالحجارة، ويطالبهم بإرسال قوة عسكرية لحماية المبنى ومن فيه. وفي الجانب الآخر، تدور مناقشة بين طالبين يفهم منها أن صاحب المؤيد كان السبب في إفساد الأمر بين الأزهر وبين الخديوي، كما أنه كان مدافعا عن الأميرة نازلي هانم فاضل؛
Bilinmeyen sayfa
27
عندما أهانت المصريين بقولها: إن المصري لا يساوي ثمن الحبل الذي يشنق به.
وفي أثناء ذلك يهتف الطلاب بسقوط المؤيد وصاحبه، ويقومون برشق عمال المؤيد بالحجارة التي تساقطت عليهم، فيحدث هرج ومرج بين الطلاب والقوة العسكرية المصاحبة لهم، وتأتي قوة عسكرية أخرى فتهاجم جموع الطلبة، فتقوم معركة شديدة بين البوليس والطلبة، انتهت بالقبض على ثلاثة من الطلاب وثلاثة من عمال المؤيد، ولكن العمال تم الإفراج عنهم سريعا. أما الطلاب فزج بهم في السجون. وينتقل المشهد بعد ذلك إلى خارج جامع الأزهر لنرى قوة من البوليس تحوطه وتحرس أبوابه، وتمنع الطالب من دخوله طالما لا يحمل بيده تذكرة الدخول، ونعلم من مناقشات الطلاب أن مجلس الوزراء برئاسة الخديوي اجتمع أمس، وقرر السماح فقط لطلاب السنتين الأولى والثانية بدخول الأزهر، ومنع طلاب السنتين الثالثة والرابعة من دخوله؛ لأنهم أساس الاعتصاب، مع شطب أسمائهم وصفتهم الأزهرية؛ لتطبق عليهم لائحة القرعة العسكرية ويتم تجنيدهم، كما قرر المجلس انتداب خليل باشا حمادة - مدير الأوقاف
28 - ليكون مشرفا على الأزهر.
وفي الفصل الرابع والأخير، تنتقل الأحداث إلى داخل الأزهر؛ لنرى المدرسين وسط طلابهم مع وجود المفتشين والملاحظين وحجاب ديوان الأوقاف ممسكين بقضبان الخيزران وآلة التعذيب (الفلقة)؛ متحرشين بالطلبة في وجود دولار بك والشيخ عاشور، وهما من أعوان خليل حمادة باشا، الذي يتحدث معهما عن وجوب اتباع الشدة مع الطلاب المتمردين، فتتوجه مجموعة من الطلبة إلى الباشا مطالبين السماح لزملائهم الممنوعين بدخول الأزهر لاستكمال تعليمهم، فيحتدم النقاش بينه وبينهم، وينتهي بحبسهم في الرواق العباسي. ويقوم أعوان الباشا بوضع كل طالب متمرد في هذا الرواق الذي أصبح سجنا داخل الأزهر، فتحدث ثورة بين الطلاب خارج الرواق، فيقوم الباشا وأعوانه بضرب مجموعة من الطلاب بالفلقة في صحن الجامع وأمام أعين زملائهم، فيشتد الأمر هياجا بين الجميع، فيستصدر الباشا أمرا بإدخال القوة العسكرية إلى الجامع، ويأمر جنودها بالقبض على كل طالب مهيج، وأن يضربوا كل عاص. وبذلك تنتهي المسرحية. (ب) اختبار معايير المسرح التسجيلي من خلال المسرحية
أولا: ملمح التقرير
من سمات المسرح التسجيلي في اختيار مادته أنه مسرح تقريري، يختار مادته من المقالات الصحفية والخطب والسجلات والمحاضر والتقارير والمقابلات والتصريحات ... إلخ كل مادة وثائقية، بحيث يكون الاختيار مركزا على قضية اجتماعية أو سياسية من أحداث الماضي ووقائع التاريخ، بحيث تشتمل القضية على مضمون إنساني عام يعكس وجهة نظر الجماهير العريضة.
29
وهذه الأمور متوفرة في مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»؛ حيث إنه نص يقر بحادثة تاريخية معاصرة حقيقية وقعت قبيل تأليف النص بأيام قليلة، بل وتمت كتابة النص أثناء وقائع الحادثة، كما سنرى فيما بعد. ومادة النص المسرحي مختارة من أقوال الصحف المصرية التي غطت الحادثة بتفاصيلها عام 1909، وبالأخص صحف الجريدة واللواء والمؤيد، بالإضافة إلى بعض المنشورات الرسمية والخطب الحماسية، كما سيعرض في البحث عند الحديث عن الفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع.
كما أن قضية اعتصاب طلاب الأزهر من القضايا الاجتماعية والسياسية التي هزت الرأي العام عام 1909، وهي قضية اشتملت على مضمون إنساني عام؛ عكست وجهة نظر الجماهير العريضة. وكفي للتدليل على ذلك الكم الهائل من التلغرافات والرسائل المنشورة في الصحف التي يناشد فيها أصحابها الخديوي عباس حلمي الثاني، ومجلس الأمة، ورئيس الوزراء بطرس غالي، بالنظر بعين الرحمة والإنصاف في الاستجابة لمطالب طلاب الأزهر. وهذه التلغرافات والرسائل كانت مرسلة من قبل الأعيان والمحامين، وضباط الجيش، وعلماء الأزهر، وأعضاء محفل الصدق العثماني، وتجار وأعيان فاقوس، وزفتى، والمنصورة، وشبرا اليمن، وقليوب، وبني سويف، والمنيا، وقنا، وأسيوط، والفيوم.
Bilinmeyen sayfa
30
ثانيا: ملمح معالجة الأحداث بصورة فنية
ومن سمات المسرح التسجيلي في معالجته لمادته التوثيقية أنه يقوم بمسرحتها بصورة فنية في الشكل دون تغيير في المحتوى؛ وذلك حرصا على القيمة الفنية إلى جوار الواقعة التاريخية، بحيث لا تبدو المسرحية تسجيلا خالصا للوقائع والأحداث. ويتم ذلك بأساليب فنية عديدة؛ منها: تنظيم الأخبار، أو وضع مقتطفات من الأخبار في مقاطع دقيقة التوقيت، أو استبدال اللحظات القصيرة من الحدث الحقيقي بوحدات طويلة ومعقدة، أو تركيب موقف اعتمادا على قول مقتبس أو مقولات مضادة، أو تحول الأقوال والأحاديث إلى أشكال فنية أخرى، أو استخدام المونولوج والحلم والرجوع إلى الخلف من أجل كشف سلوك معين.
31 (1)
المادة التاريخية:
والشواهد على ذلك كثيرة في النص المسرحي؛ حيث إن المؤلف قام بمسرحة مادته التوثيقية بصورة فنية مع احتفاظه بمحتوى الحقيقة التاريخية؛ وذلك عندما نظم الأخبار الصحفية في شكل مسرحي تنظيما منطقيا في الأحداث أخضعه للمنهج الفني. ويتضح ذلك من ملخص المسرحية سالف الذكر، ومقارنته بملخص القصة التاريخية لاعتصاب الطلاب، كما سيأتي في الجزء الخاص بالفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع. (2)
استغلال مقتطفات الأخبار:
قام المؤلف بوضع مقتطفات من الأخبار في مقاطع دقيقة التوقيت في نصه المسرحي. وهذا أمر له شواهده في النص المسرحي، ومثال على ذلك: المناقشة التي دارت بين شيخ الأزهر وأعوانه حول اعتصاب الطلاب في أول الأمر. ومن هذه المناقشة هذا الموقف:
آخر :
قلت يا فضيلة الشيخ أنك كثيرا ما عرضت أمرنا على أولي الأمر، أو بالأحرى على جناب خديوينا المعظم، فما كانت النتيجة؟
Bilinmeyen sayfa
الشيخ :
إن مولانا المعظم ليس خاليا لنا، ولا لمصلحة معهدنا ولا لمصلحة الأزهريين التي أصبحت من خصائصه وشأنه الخاص.
عالم :
وما الذي يشغله عن مصالحنا؟ فلعلها أمور سياسية لمصلحة بلاده العامة، وقد تكون خيرا لنا.
الشيخ :
لا، مولانا - حفظه الله - لا يشغله هذا الأمر، بل تشغله أمور أخرى.
عالم :
وما هي؟ أمشتغل بالسعي في مطالبة الأوقاف بإبدال بعض أراضيه المجهول مكانها وقيمتها بأراض أخرى في الجزيرة أو في وسط عاصمة البلاد؟
الشيخ :
وغير ذلك! فإن ما يشغله عن مصلحة الأزهر وغيره من مصالح الأمة اشتغال سموه بالتجارة وزراعاته الخصوصية.
Bilinmeyen sayfa
32
وهكذا يتضح للدراسة أن المؤلف وضع بعض مقتطفات من حقائق التاريخ ومن أقوال الصحف حول هذه الأزمة في توقيت دقيق للغاية. فبدلا من اهتمام الخديوي الذي يرأس المجلس الأعلى للأزهر بأمر اعتصاب الطلاب، نجده يهتم بأموره الشخصية من تجارة وزراعة واستبدال الأراضي. واختيار هذه الأمور في هذا التوقيت له دلالته السياسية والاجتماعية، كما سيتضح - فيما بعد - عند الحديث عن فنية عنصر الإضافة. (3)
استبدال اللحظات القصيرة بوحدات طويلة:
لجأ المؤلف إلى استبدال اللحظات القصيرة من الحدث الحقيقي بوحدات طويلة ومعقدة، فأهم شاهد على ذلك معالجته لزيادة مرتبات المدرسين بالأزهر، وهو أحد مطالب الاعتصاب الأزهري. وقد ذكرت الصحف هذا المطلب بأكثر من صورة؛ منها: «... أن تكون مرتبات المدرسين على الأقل مثل مدرسي المدارس الابتدائية الأميرية.» أو «... أن غلاء جميع حاجات العيش يدعو إلى جعل مرتبات العلماء غير كافية بحاجتهم.» أو «... أن مرتبات علماء الأزهر ومدرسيه في الحقيقة قليلة جدا، بل هي لا تكاد تذكر في جنب مرتبات أساتذة أصغر مدرسة في العالم.»
33
وهذا الأمر الذي لم يستغرق سوى سطر أو سطرين في الصحف عالجه المؤلف في مسرحيته بصورة فنية، من خلال حوار طويل هذا جزء منه:
طالب :
وعلى هذا؛ أيمكن لسيدي أن يخبرني عن مرتبه الذي يتقاضاه قياما لما يقوم به من الأعمال الجليلة؟
عالم :
لندع مقدار المرتب الذي لا يذكر، ونبشركم بأنه وإن كان مرتبنا قليلا جدا؛ فإن لنا مكافآت متوالية نأخذها عند نجاحنا في كل امتحان!
Bilinmeyen sayfa
طالب :
وما هي مدة كل امتحان؟ وما هو مقدار المكافأة؟
عالم :
أما المدة فهي قصيرة جدا، وهي سنتان أو ثلاث بالأكثر، ومقدار المكافأة فعظيم جدا؛ وهو جنيه واحد إنكليزي يخصم منه ستون غرش ثمن استمارات ورسوم للامتحان، والباقي وهو الأربعون قرش إلا قرشي ونصف لنا خاصة. بارك الله لنا فيها. وقد نصت اللائحة أن هذه المكافأة لم تعط إلا تشجيعا للاجتهاد على العمل، والإقدام في خدمة الدين الإسلامي.
34 (4)
تركيب المواقف اعتمادا على المقتبس:
عني حسن مرعي بتركيب مواقف اعتمادا على قول مقتبس، والشاهد الأبرز على ذلك من المسرحية ما جاء على لسان أحد الطلبة في خطبته أمام زملائه من المعتصبين قائلا: «إخواني ... اسمعوا مني هذه الكلمة الأخيرة، وهي أنه إذا أرسلت لكم الإدارة للتفاوض مع لجنة مخصوصة، فلا تفعلوا هذه اللجنة بالمرة، كما لا تفعلوا رئاسة لجنة الإصلاح الأزهري، إلا إذا كانت مسندة إلى صاحب الفضيلة قاضي مصر، وأعضاؤها: الشيخ بخيت، وحسن مدكور باشا، وإبراهيم رفعت باشا، ومجدي بك؛ المستشار بالاستئناف، وإبراهيم ممتاز باشا، وحسن جلال بك، على شرط أن تنشر المناقشات على صفحات الجرائد يوميا. فإذا نفذت اللجنة طلباتنا كان بها، وإلا فنحن باقون على ما نحن عليه من المظاهرات.»
35
والجدير بالذكر أن الأسماء الواردة هنا مقتبسة مما أوردته الصحف المصرية حول تشكيل لجنة فحص مطالب المعتصبين؛ فعلى سبيل المثال: طالب المعتصبون أن اللجنة تضم ضمن أعضائها الأسماء الآتية: الشيخ محمد بخيت، والشيخ عبد الكريم سلمان، والشيخ محمد الطوخي، ومحمود بك عبد الغفار، وعبد العزيز بك فهمي المحامي، وعمر بك لطفي. أما اللجنة في صورتها النهائية فقد شكلها الخديوي من: الشيخ محمد أبو الفضل؛ وكيل مشيخة الأزهر، والشيخ عبد الغني محمود؛ عضو مجلس الإدارة، والشيخ أحمد نصر؛ وكيل رواق الصعايدة، والشيخ علي الفزاني؛ شيخ رواق المغاربة، وإبراهيم بك ممتاز؛ مندوب الداخلية، وحسن بك جلال؛ مندوب الحقانية.
36 (5)
Bilinmeyen sayfa
تركيب المواقف بالاعتماد على المقولات المضادة:
أما من حيث قيام المؤلف بتركيب موقف اعتمادا على المقولات المضادة، فخير شاهد على ذلك قول أحد المعتصبين في خطبته أمام الطلبة: «... واحذروا من في الظاهر يتظاهر بالميل لكم، وفي الباطن يدس لكم الدسائس ليفشل مسعاكم. ولكن لا أخشى أن أقول إنه خاب مسعاهم، وساء حالهم، فنحن رجال لا تؤثر فينا الدسائس.»
37
وهذا الموقف من الخطيب جاء به المؤلف مركبا من مقالة كتبها أحمد علي المنشاوي تحت عنوان: «دس الدسائس ودفع المفتريات في الأزهر»، قال فيها على سبيل المثال: «علمنا من ثقة أن بعض الخائنين لأمتهم يرسلون أناسا إلى المساجد يؤذون العلماء لينسب ذلك إلى الطلبة، ويقصدون بذلك تثبيط هممهم، والضرب على مطالبهم.»
38
كما جاء في مقالة أخرى هذا القول: «... ثم علم الطلاب من جهة أخرى أن يدا خفية حركت بعض صنائعها على إهانة بعض المدرسين؛ لإلقاء تبعة الاضطراب على المتظلمين، فتنبه الطلاب إلى ذلك.»
39 (6)
تحويل الأقوال والأحاديث إلى أشكال فنية:
وأما من حيث قيام المؤلف بتحويل الأقوال والأحاديث إلى أشكال فنية أخرى، فهذا أمر واضح في المسرحية، وخير دليل على ذلك تحويل بعض المقالات المنشورة في الصحف إلى خطب حماسية ألقاها الطلبة في المسرحية.
40
Bilinmeyen sayfa
وكذلك تحويل نشرات الأزهر الرسمية وقرارات المجلس الأعلى للأزهر المنشورة في الصحف إلى حوار فني بين شخصيات المسرحية.
41
وهذا الأمر سيتضح أكثر عندما تتعرض الدراسة إلى الحديث عن الفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع. (7)
ظاهرة الرجوع للخلف:
لقد لجأ المؤلف لفكرة الرجوع إلى الخلف من أجل كشف سلوك معين، فخير دليل على ذلك من المقالات المنشورة في الصحف قيام الطلبة في مظاهرتهم بالهتاف ضد جريدة المؤيد، وضد صاحبها الشيخ علي يوسف.
42
فيقوم المؤلف بصورة فنية بتفسير هذا الأمر بأسلوب الرجوع إلى الخلف تاريخيا؛ وذلك عن طريق قول طالب مع آخر أثناء المظاهرة قائلا له: «لندع يا أخي صاحب المؤيد وشأنه، بعدما تحقق لنا أن هذا الرجل هو الذي قد أثار غبار مسألتنا الأزهرية بدسائسه وسوء قصده، بما ألقاه من المنشورات المفسدة على مسامع سمو خديوينا المعظم.»
43
وهذا الأمر تثبته مقالات المؤيد التي نشرت قبل إثارة مسألة الاعتصاب في الأزهر تمجيدا في قانون الأزهر الجديد؛
44
Bilinmeyen sayfa
ذلك القانون الذي رفضه الأزهريون واعتصبوا من أجل إلغائه.
جريدة المؤيد.
ثالثا: ملمح العناية بالقضية الاجتماعية والسياسية
من سمات فنية المسرح التسجيلي أن كاتبه يعنى في المقام الأول بالقضية الاجتماعية والسياسية، ولا يحفل كثيرا بالفرد من حيث وجوده الذاتي. وبالرغم من ذلك، فإنه يضفي لمسات إنسانية مؤثرة على الموضوع العام، من خلال تصويره بعض لوحات من مآسي الأفراد، ويحاول كذلك أن يغطي على المعالجة المباشرة بكثير من السخرية الطريفة ذات الدلالة الاجتماعية والسياسية.
45 (1)
التركيز على القضية العامة:
وهذا الأمر قام به المؤلف خير قيام، خصوصا عندما اهتم بقضية الأزهر واعتصاب طلابه أكثر من اهتمامه بالأفراد؛ فعلى سبيل المثال: لا يوجد حوار في المسرحية يقوم به شخصيات ذات أسماء محددة إلا في موضعين اثنين.
46
وكان حوار المسرحية في مجملها يدور بين طالب وطالب، أو بين طالب وعالم، أو بين عالم وملاحظ، أو بين ملاحظ ومفتش، أو بين مفتش وشيخ، أو بين شيخ وناظر، أو بين ناظر ورئيس ... إلخ. ولم نجد اسما لطالب أو لعالم أو لملاحظ أو لمفتش طوال المسرحية؛ وذلك على الرغم من ذكر الصحف لبعض هذه الأسماء، ومنها: عبد الظاهر محمد، أحمد علي المنشاوي، علي أحمد الجرجاوي، أبو زيد، سليمان نوار، محمد قنديل، محمد زهدي الخماس، أحمد نديم، مسعود فراج، حامد مطاوع، عبد السلام المليجي، سليمان فهمي، فهيم قنديل، محمد منصور، حسن موسى، محمد خاطر.
47 (2)
Bilinmeyen sayfa
إضفاء اللمسات الإنسانية:
عني المؤلف بإضفاء لمسات إنسانية مؤثرة على الموضوع العام، من خلال تصوير بعض لوحات من مآسي الأفراد؛ فقد حقق المؤلف هذا الأمر عندما قال طالب لآخر واصفا زملاءه المقبوض عليهم بسبب الاعتصاب: «وقد قضينا ليلة الحادثة والأسف ملء قلوبنا على الثلاثة الأبرياء الذي قبض عليهم وزجوا في أعماق السجون ... وكان الغرض بلا شك استعمال كل قسوة زائدة، وتشديدا بتكسير هؤلاء المساكين، وذلك إرهابا لباقي المعتصبين.»
48 (3)
استخدام السخرية للبعد عن المباشرة:
لجأ المؤلف إلى استخدام السخرية الطريفة من أجل التغطية على المعالجة المباشرة؛ فخير مثال على ذلك في المسرحية ما قاله شيخ الأزهر لرئيس الوزراء، عندما انشغل الخديوي بأعماله الخاصة غير مبال باعتصاب الطلبة: «وهل تظنون سعادتكم أن مولانا الخديوي - حفظه الله - يأتي مسرعا على إثر وصول تلغرافكم، ويترك أعماله الزراعية الخصوصية التي لولاها لرأينا سموه قد تفرغ إلى نصرة العلم وتعضيد المشروعات الدينية، بل ورأيناه ندي الكف، مطلق اليسار بالعطا والجود للمشروعات الخيرية.»
49
رابعا: ملمح تواري الرأي الشخصي
ويقصد بملمح تواري الرأي الشخصي أن كاتب المسرح التسجيلي يعي تماما أن رأيه الشخصي لا أهمية له بخصوص المشاكل التي يعالجها؛ حيث إنه ليس من حقه أن ينصب نفسه قاضيا على التاريخ. ومهما كانت درجة وعيه والتزامه بهذه الحقيقة، فإنه في النهاية ورغما عنه لا يستطيع إلا أن يكون إيجابيا في مواجهة الحادثة التاريخية التي يعرضها. وإن كان ذلك لا يبدو لنا مباشرة، وإنما من خلال اختيار الأحداث وطريقة ترتيبها.
50
وهذا الأمر له وجود فعلي في المسرحية؛ حيث إن الدراسة لم تجد قولا مباشرا للمؤلف - على لسان شخصياته - يفيد صراحة أنه مع الحكومة ضد اعتصاب الأزهريين، أو أنه مع الأزهريين ضد الحكومة. وبالرغم من ذلك، فالقارئ يستشعر من اختيار الأحداث التاريخية وترتيبها - وفقا لأحداث الاعتصاب كما جاءت في الصحف المصرية - أن المؤلف كان له موقف إيجابي من هذه القضية، وهو الموقف الذي أعلنه الرأي العام بأحقية طلبة الأزهر في مطالبهم. وهذا الأمر سيتضح أيضا عند الحديث عن الفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع.
Bilinmeyen sayfa