فقال حسين ساخرا: الحق أنا نسينا، دعني أتذكر قليلا .. تتخايل لعيني شريحة لحم في ظلام الذكريات، ولكن لا أدري أين ولا متى.
وضحك حسين قائلا: نحن أسرة فلسفية على مذهب المعري.
فتساءل حسن: ومن يكون المعري هذا؟ .. أحد أجدادنا؟ - كان فيلسوفا رحيما، ومن آي رحمته أنه امتنع عن أكل اللحوم رحمة بالحيوان! - إني أدرك الآن لماذا تفتح الحكومة المدراس، إنها تفعل ذلك كي تبغض لكم اللحوم فتأكلها دون منافس.
ونهض حسن وذهب إلى حيث ترك القفة، وعاد بها، ووضعها أمام أمه ، ثم نزع عنها غطاء من الورق فبدت تحته فخذ خروف مكتنز تتصل على سطحها حمرة اللحم ببياض الدهن، وإلى جانبها علبة من الصفيح متوسطة الحجم، وصاح حسنين: لا أصدق عيني، وما هذا داخل العلبة؟ - سمن!
ودبت في الإخوة حيوية ولمعت أعينهم، وسرت عدوى الفرح إلى قلب الأم فابتسمت وتمتمت: ضمنا للغد غداء فاخرا!
وهتف أكثر من صوت: بل عشاء فاخرا، الساعة. - متى ينتهي طهيه؟ - ننتظر حتي الفجر.
ونهضت نفيسة فحملت القفة، وسبقت أمها إلى المطبخ.
وكفت الأم عن المعارضة وقامت أيضا، فغادرت الحجرة وهي تومئ إلى حسن أن يتبعها فتبعها على الأثر مبتسما ابتسامة ذات معنى، فانتبذت به ركنا في الصالة وسألته بلهفة: هل تيسرت سبل الرزق حقا؟ - بعض الشيء! لا أدري ما يأتي به الغد. - هل أطمئن إلى أنك ستمد لنا يد المعونة؟ - كلما واتاني الرزق، أرجو هذا.
وصمتت لحظة ثم سألته: أين تقطن؟
وكان يعلم أنها تفهمه فهما لا يجدي معه الكذب، فقال: عطفة جندب بكلوت بك رقم 17.
Bilinmeyen sayfa