وانطلق يغني وهو يغالب سخريته القلقة في صدره، والآخر يتابعه باهتمام ظاهري، ثم لاح في وجهه التفكر فجأة وبدا كأنه يريد الإفصاح عن شيء هام. وكان حسن ينتظر هذه اللحظة بغريزته فتساءل متحيرا ترى هل يريد أن يندبني إلى معركة؟ ماذا يريد على وجه التحقيق؟ وقال الأستاذ: صوتك حسن، بيد أن العمل في التخت يتطلب مهارة أخرى؛ ينبغي أن نتفاهم تماما، وعلى سبيل المثال أقول لك إنك يجب أن تأخذ بقسط وافر من أساليب الدعاية. - الدعاية؟ - نعم، كأن تنوه بفني في المناسبات، أن تسعى لإغراء البعض بطلبي لإحياء الأفراح، ولك جزاء طبعا، أن تكون في حفلة يحييها مغن ما، فتعلن نقدك لصوته، وتقول لمن حولك آه لو كان علي صبري في مكان هذا المغني، وهكذا.
فابتسم حسن قائلا: هذا هين، وأكثر منه.
فقال علي صبري بعد فترة تفكر: ثم إنك شاب قوي وجريء، وينبغي أن تستغل مواهبك إلى أقصى حد، ولكن دعني أسألك سؤالا قبل كل شيء: أي المخدرات أحب إليك؟
ما الذي يدعوه إلى هذا التحقيق؟ أيريد أن ينفحه بهدية؟ إنه يجيد قبول الهدايا، أما الجود بها فهذه عادة لم يمارسها، أم يرمي إلى إشراكه في عمل هام؟ ودق قلبه لهذا الخاطر، طالما حلم بتجارة المخدرات، على أنه آثر الحرص والحذر فقال بمكر: أظن أن المخدرات تؤذي الحنجرة.
فضحك علي صبري، ثم انطلق يغني من الليالي ما شاء في صوت كالرعد وفي نفس طويل قوي، ثم تساءل: ما رأيك في هذا؟ - لم أسمع له مثيلا!
فقال ساخرا: هذا نتيجة خمسة عشر عاما من تعاطي الحشيش والأفيون والمنزول، منها خمسة أعوام أدمنت فيها الكوكايين. - يا سلام! - المخدرات دم الغناء، وما من مغن يستحق هذا الاسم إلا وقد تعاطى من المخدرات مثلما التهم من الملوخية والفول المدمس.
فضحك حسن وقال بلهجة تنم عن التسليم: هذا لو تيسرت. - صدقت، وهذا ما خمنته؛ إنك لا تكره المخدرات، ولكنك لا تستطيعها، وإذن فاعلم أنه من اليسر أن تجعل الأنهار خمورا والجبال حشيشا، إنك جريء قوي، ولكني لا أخفي عليك بأني خفت كثيرا. - خفت ماذا؟
فضحك علي صبري ضحكة قصيرة كشفت عن أسنانه الصفر وقال: أكره الناس إلي من يقول «أخلاقي لا تسمح لي بكيت وكيت» أو من يقول «اتق الله» أو من يتساءل في خوف «والبوليس؟!» فهل أنت أحد هؤلاء؟
فقال حسن مبتسما وهو يشعره بأن صبره الطويل يوشك أن يظفر بحسن الجزاء: إني أعيش في هذه الدنيا على افتراض أنه لا يوجد بها أخلاق ولا رب ولا بوليس.
فضحك علي صبري بقوة زلزلت القهوة كغنائه وقال: فلنقض بقية الليل في بيتي؛ فما زال في الحديث بقية.
Bilinmeyen sayfa