فقال الشاب الحائر: حسبي هذا!
فهز حسين رأسه في حدة وقال: أنت مخطئ. إنها فتاة مهذبة، ومن أسرة طيبة، ولن ترضى عن سلوكك. - هي ما قلت وأكثر، ولكني لن أتخلى عن أملي.
وقام إلى المكتب فأخذ كتبه، وكراساته، وعاد إلى الفراش، ثم وضعها على حافة النافذة المغلقة التي تلي فراشه مباشرة، وجلس متربعا حيالها كأنه جالس إلى مكتب، فسأله حسين متعجبا: لم لا تجلس إلى المكتب؟ - أريد أن أتربع لأدفئ ساقي.
وكان يفكر في أمر ذي بال، ففتح كراسة، واقتطع منها صفحة وأمسك بالقلم وراح يعمل ذهنه في اهتمام ووجد واضطراب؛ «سأكتب لها كلمة، لن تتاح لي فرصة لمخاطبتها فلا حيلة لي إلا هذه، ولكن ماذا أكتب؟» وركز فكره مستعينا بالسكون الذي يغشى الحجرة لا يخدشه شيء إلا خشخشة أوراق الكراسة إذا قلبها حسين، ولكن أخذت أذناه تستبين صوت راديو يتسلل من النافذة المغلقة وانيا من بيت من بيوت العطفة، وقطب متظاهرا بالضجر، ولكنه ارتاح إلى سماعه هربا من حيرة أفكاره. وأصغى إلى «عادت ليالي الهنا» فسلم سريعا بمجامع نفسه وجاش صدره بالحنان وندى بالعطف، وهفا قلبه نشوة للحب والحياة. وغمرته موجة حماس فامتلأ نشاطا وتمنى لو ينطلق إلى الخلاء متلفعا بالظلماء. وجعل يغيب عن النغم رويدا بعد أن فتح لروحه أبواب جنة عامرة بالأحلام والرؤى. «يجب أن أكتب كلمتين. جملتين فحسب، حتى لا أسود إلا ورقة صغيرة إذا رميت بها عند قدميها لم يستبنها أحد.» وحرك القلم كاتبا: عزيزتي بهية، إني آسف جدا لأني أغضبتك. «أليس الأفضل أن أقول: لا تغضبي يا عزيزتي؟ .. سيان. ثم ماذا؟ ينبغي أن أعترف لها بحبي، أريد جملة غير مبتذلة. اللهم عونك.» وقطع حسين عليه تفكيره متسائلا: ماذا تكتب؟ - موضوع إنشاء. - ما هو؟
فقال بلا تردد: أثر الموسيقى في نهضة الأمم.
عزيزتي بهية، إني آسف جدا لأني أغضبتك، أيحق لك الغضب لأني أحبك؟ «يكفي هذا؛ فخير الكلام ما قل ودل. كلا، لا يكفي. النغمة ناقصة، استشهد ببيت من الشعر. كلا، فهذا يثير الضحك عادة. وضحكة واحدة خليقة بأن تفوت علي الغرض. جملة أخرى مؤثرة. يا رب يا معين!» ووثبت إلى ذهنه عبارة لا بأس بها، فشرع يكتب: والله ما فعلت ما فعلت ... ولكن حسين قاطعه مرة أخرى قائلا: هل انتهيت من نقط الموضوع؟
فانزعج حسنين وقال في غيظ مكتوم: تقريبا .. عن إذنك لحظة واحدة!
وعاد إلى الخطاب في تصميم من يريد الفراغ منه، فكتب: والله ما فعلت ما فعلت إلا لأني أحبك، وسأحبك ما حييت، ولا حياة لي إلا برضاك عني.
وأعاد قراءتها بعناية، ثم تنهد في ارتياح عميق، وطواها وثنى طرفيها ثم أودعها جيبه. «سأنتهز فرصة اقترابها من الباب، أو مروري بها في الصالة، ثم أرمي بها إليها، وليكن ما يكون.»
19
Bilinmeyen sayfa