فقال حسن بحماس: لا شك في هذا.
فقال بلهجة الناصح: مرن صوتك، لا تكف عن التمرين. أكثر من الليالي. ولا تن عن مص السكر النبات. - يا سلام! - مفيد جدا، ويا حبذا لو استيقظت حين الفجر وأذنت للصلاة؛ فهو خير مران للحنجرة، وهو ما كان يفعله سلامة حجازي.
فضحك حسن وقال: ولكني أنام عادة قبيل الفجر. - إذن قبل النوم. - في مسجد؟! - المهم الأذان نفسه في هذه الساعة المبكرة. في مسجد، في حانة، كيفما اتفق! - وإذا كان الإنسان من غير مؤاخذة سكران أو مسطولا؟ - يكون أفضل. فما تستطيعه وأنت غائب عن وعيك تستطيع أضعافه وأنت صاح. - ينبغي أن نتقابل كثيرا حتى يفتح الله علينا.
ثم التفت صوب الرفاق الثلاثة وسألهم: ماذا كنتم تفعلون؟ - كنا نلعب الكومي.
فقال الأستاذ علي صبري باهتمام: هلم نجرب حظنا.
ونهض الرفاق وأقبلوا نحوهما بلا تردد، ثم تحلقوا المائدة والطمع يلعب بقلوبهم جميعا، بيد أن حسن كان قلقا مشفقا من مغبة هذا اللعب. «ما عسى أن أصنع مع ابن القديمة هذا؟ إذا كسبت أغضبته، وإذا خسرت ضاع اليوم هدرا؟!»
12 - لا أدفع مليما واحدا أكثر من الثلاثة الجنيهات.
قالها تاجر الأثاث وهو يلقي نظرة على فراش المرحوم. ولم تعد تجدي مساومة الأم. وكانت قد أجمعت على بيع الفراش ولوازمه لما يثيره وجوده من الأحزان، ولأنها باتت في مسيس الحاجة إلى نقود، وكانت ترجو له ثمنا أكثر من هذا لعله يسد بعض عوزها الملح إلى النقود، ولكنها لم تجد بدا من الإذعان، فقالت للتاجر: غلبتنا سامحك الله، ولكنني مضطرة للقبول.
ودفع الرجل إليها بالجنيهات الثلاثة، وهو يشهد الله أنه المغلوب، ثم أمر تابعين بحمل الفراش.
واجتمعت الأسرة في الصالة تلقي نظرة الوداع على فراش فقيدها المحبوب. وتمثل الراحل لهم فكأنهم يرونه رؤية العين، وغلب الحزن نفيسة فأجهشت في البكاء، وأطبقت الأم شفتيها كاتمة آلامها. كانت تحرم على نفسها البكاء أمام أبنائها؛ أن تعاودهم حدة الحزن، لم يكن لهم من أحد يعتمد عليه سواها، فوجب أن تظهر بمظهر الرجولة. ولو وجد هذا الشخص للاذت بالدموع كسائر النساء، ولكن لم يكن لها محيد عن التصبر والتجلد. وفضلا عن هذا كله فلم تواتها فرصة للتنفيس عن حزنها بما جبهها من هموم العيش وأثقاله، ووجدت نفسها في الغالب مضطرة إلى تناسي أحزان القلب لتناضل ما يتهدد أسرتها من الضراء. «يحز في نفسي ألا أجد فراغا للحزن عليك يا سيدي وفقيدي. ولكن ما الحيلة؟ حتى الحزن نفسه محرم على أمثالنا من الفقراء.» ولم يكن حسنين يتصور أن يفرطوا في مخلفات أبيه، ولكنه لم يفكر في الاعتراض. والواقع أن حال الأسرة لم تعد تخفى على أحد. ومضى التاجر بالفراش وأغلق الباب فساد الوجوم حينا، وأرادت الأم أن تبدد سحابة الحزن التي أظلتهم فقالت مخاطبة حسين وحسنين: هيا إلى حجرتكما للمذاكرة.
Bilinmeyen sayfa