فلاذ حسين بالصمت. وجعل يتخيل الملعب واللاعبين، فكأنه يسمع الرئيس وهو ينبئ الآخرين بانفصالهما؛ «لظروف الأسرة الجديدة!» لا لعب ولا مسرة ولا رحمة من شكوى حسنين المتواصلة. وطرقا الباب ثم دخلا. وتسمرت أقدامهما وراء الباب لمنظر غريب لم يتوقعاه. رأيا أثاث البيت مكوما في اضطراب شامل، وقد رصت المقاعد فوق الكنبات ولفت الأبسطة وفكت الدواليب، ولاحت الأم ونفيسة مشمرتين يعلوهما التراب ويتصببان عرقا على لطافة الجو. وهتف حسنين: ماذا حصل؟
فقالت الأم: سنترك الشقة. - إلى أين؟! - إلى الدور التحتاني، سنتبادل السكن مع صاحبة البيت.
شقة أرضية بمستوى التراب، لا شرفة لها، ونوافذها مطلة على عطفة جانبية تكاد تبدو منها رءوس المارة، وطبعا محرومة من الشمس والهواء، وتساءل حسنين في امتعاض ولو أنه كان يعرف الجواب مقدما: لماذا؟!
فقالت الأم بصوت واضح: لأن إيجارها 150 قرشا!
فقال الشاب متذمرا: فرق الإيجار أقل من 50 قرشا لا يتناسب مع الفرق بين الشقتين!
فسألته الأم ساخطة: هل تتعهد بدفع هذا الفرق التافه؟ - لماذا رضينا إذن بأن تشتغل نفيسة خياطة؟
فالتهمته الأم بنظرة من نار وصاحت به: كي نأكل، كيلا تموتوا جوعا!
وحافظ حسين على طلاقة وجهه أن يفتضح امتعاضه وسأل أمه بلهجة لا أثر فيها للاعتراض: متى تم هذا يا أماه؟
فقالت المرأة وهي تمسح جبينها بكم ثوبها الأسود: عرضت الأمر على صاحبة البيت غير مخفية شيئا من حالنا، فأظهرت روحا طيبا، ووافقت بلا تردد.
فقال حسنين في استياء: لو كانت ذات روح طيب حقا لنزلت عن فرق الإيجار مع إبقائنا في شقتنا!
Bilinmeyen sayfa