و«العدد» الذي سنتناول تحليله ورده إلى مدركات منطقية، هو «العدد» بالمعنى الثاني من المعاني الثلاثة السابقة، أو «العدد» الذي يكون متعينا محدد القيمة مثل «1» أو «3» أو «صفر»، كان الرياضيون إلى عهد غير بعيد، إذا أرادوا العدد استثنوا من الأعداد العدد «1»، وجعلوه غير قابل للتعريف ليعرفوا به سائر الأعداد، فيكون العدد «2» مثلا هو «1 + 1»، والعدد «3» هو «2 + 1» وهكذا، لكنها طريقة معيبة من عدة وجوه ؛ فهي فضلا عن أنها تفرق بين العدد «1» وبين بقية الأعداد، كأنه ليس واحدا منها، وفضلا عن أنها تستخدم فكرة الجمع المرموز لها بالعلامة + دون تعريف وتحديد، كأنها لا تحتاج إلى شيء من ذلك، أقول إنها فضلا عن هذين العيبين فيها، فإنها لا تنطبق إلا على الأعداد النهائية دون الأعداد اللانهائية، فلئن صح أن أي عدد نهائي من سلسلة الأعداد الطبيعية مثل «7» أو «532» يمكن تعريفه بتكرار العدد «1» كذا من المرات، فذلك لا يصح على العدد اللانهائي مثل مجموعة النقط في الخط المستقيم.
وقد أصبح اليوم في مستطاعنا التغلب على هذه الصعاب؛ فأولا قد بلغنا بفضل «كانتور»
Cantor
23
حدا من القدرة على تحليل الأعداد اللانهائية وفهمها يمكننا ونحن نعالج البحث في الأعداد وطبيعتها، من تعريفها تعريفا ينطبق عليها جميعا، النهائية واللانهائية على حد سواء. وثانيا قد مكنتنا الدراسات الحديثة في المنطق الرياضي من تحليل فكرة الجمع التي ترمز لها بالعلامة +، ولم نعد نلقي بهذا الرمز إلقاء كأنه شيء لا يتطلب التعريف، أو كأنه شيء يتعذر تحليله وتعريفه. وثالثا أصبح في مستطاعنا أن نعرف الصفر والواحد بنفس الطريقة التي نعرف بها سائر الأعداد، ولم يعد بنا حاجة إلى استثناء الواحد، وجعله شيئا قائما بذاته يستخدم في تعريف غيره من الأعداد بغير أن يتناوله هو نفسه التعريف.
24
وللسير في محاولة تعريف الأعداد طريقان؛ كلاهما يتخلص من عيوب الطريقة التي أسلفناها: طريق سلكه «كانتور» و«بيانو»، وطريق آخر سلكه «رسل» لعله أقرب إلى الكمال في تلافي كل ما يمكن تلافيه من أوجه النقص.
أما الطريق الأول فهو محاولة تعريف العدد بالتجريد، ومعنى ذلك أن تفحص مجموعة أو أكثر من المجموعات التي تنطوي تحت عدد معين، كالعدد «3» مثلا، فتتناول بالبحث ثلاثة رجال وثلاثة طيور وثلاثة أشجار إلخ، ثم تجرد هذه المجموعات الثلاثية من الصفات الخاصة المميزة لكل منها صفة بعد صفة، حتى يتبقى لديك بقية لا تكون صفة خاصة بمجموعة الرجال الثلاثة أو بمجموعة الأشجار الثلاثة، فتكون هذه الصفة الباقية بعد عمليات التجريد، هي التي نسميها بالعدد «3».
غير أن «رسل» يوجه إلى هذه الطريقة نقده، فيقول: إنه قد يتبقى لدينا بعد عمليات التجريد صفات لا حصر لعددها؛ إحداها فقط هي الصفة التي تصف طبيعة العدد، وعندئذ لا نجد بين أيدينا ما نميز به هذه الصفة الواحدة المطلوبة من سائر الصفات التي بقيت معها بعد عمليات التجريد.
فبدل أن نحاول تعيين الصفة المشتركة للفئات المتشابهة عددا - والتشابه بين فئتين يحدده أن تكون بينهما علاقة واحد بواحد
Bilinmeyen sayfa