روت له قصة الموسيقار العظيم، أول من كتب كونشرتو للبيانو في التاريخ. لكن موسيقاه بدت غريبة على أذنه، شأنها شأن الغناء الذي أداه مغن شهير وضعت صورته على برنامج الحفل، وصفق له الناس واستعادوه مرة. كما بدا أفراد الكورال الذين ملئوا خشبة المسرح، أكثر غرابة؛ نساء عجفاوات، وواحدة عمياء، وأخرى عرجاء، ورجل بجبهة عريضة جدا وأنف مفلطحة، وآخر بجبهة ضيقة جدا وأنف قصيرة. كأنما أتوا من متحف.
عندما انتهى العرض سارا سويا بعض الوقت. لم يكتم نفوره من الكورال و
باخ
نفسه. انفعلت واتهمته بالجهل. ورد بغطاء ثقافي لموقفه. قال: إن الأرغن آلة من الماضي؛ الأسر الكبيرة العدد والحياة الروتينية الخالية من الراديو والتليفزيون. وعارضته بحمية، فهو يذكرها بطفولتها وحياة الأسرة عندما تجتمع وتغني، فضلا عن رقة الموسيقى وروعتها وطريقة بنائها. أوشكت الأمسية على نهاية مأساوية لولا أن الربيع كان على الأبواب.
كان الجليد قد ذاب وانقطع المطر. وعندما توقف الكلام بينهما فترة قالت فجأة: لماذا تتجنب تقبيلي؟ عندئذ قبلها. ولمست شفتاه شفتين رفيعتين رقيقتين في قبلة أخوية للغاية.
لكنها أدت دورها فقد صحبها إلى منزلها.
لم يكن منزلا بالمعنى الحديث؛ ففي منطقة مهجورة قرب الحائط الفاصل بين شطري المدينة الذي بنته
برلين
الشرقية في 1961م، لتحول بين أبنائها والهرب إلى الشطر الغربي، دلفا من بوابة خشبية ضخمة فتحتها بمفتاح كبير الحجم، إلى فناء واسع تطل عليه ثلاث بنايات، لكل منها أربعة طوابق. وبمفتاح آخر ولجا إحدى هذه البنايات وصعدا سلما خشبيا أن تحت أقدامهما، إلى الطابق الثاني، ومسكن مقتطع من شقة كبيرة (تماما كالمنزل التي قضى به سنوات مراهقته) ويتألف من مطبخ، وصالة واسعة بها مائدة وأريكة ومدفأة من الحجر المغطى بخزف بني اللون، وبوفيه فوقه راديو مستطيل الشكل بادي الجدة، تحيط به سماعتان، ثم غرفة صغيرة بها فراشان ضيقان؛ واحد لها، والثاني لطفلها. وعندما استفسر عنه قالت: إنه سيقضي الليلة عند الجيران (وبذلك خلا لهما الجو). ولم يكن هناك تليفزيون. علق على الظاهرة الغريبة، فقالت: إنه جهاز غبي. على الأقل هنا في
ألمانيا
Bilinmeyen sayfa