واستقل سيارته وهو يأمر السائق قائلا: «جروبي». انطلقت السيارة تقطع الكورنيش مخلفة وراءها المعادي. وفتح الجريدة فتصفح العناوين الكبيرة بسرعة، حتى استقر بصره فوق صفحة الوفيات. طالع أسماء الراحلين أما الأقارب فسكرتيره الخاص يتولى أمرهم. متى يطالعك اسم علي كامل بالخط العريض؟ سوف تشيع جنازته بكل إجلال وتؤدى له جميع الواجبات ولكن متى؟ ذلك الرجل العنيد المصاب بتصلب الشرايين. وهو يعاندك ويتوهم أنه يحافظ على كرامته، وكأنه لا يخشى قوتك التي يعمل لها كل إنسان ألف حساب، فمتى؟ كما قرأت يوما اسم حسن سويلم. في مثل هذه الجلسة، في نفس السيارة، في نفس الطريق. يومها بدأت بالنظر في صفحة الوفيات فكان اسمه أول ما وقع عليه بصرك. البقاء لله .. حسن سويلم .. مراقب عام الإيرادات. متى يا علي كامل؟ - انظر أمامك!
صاح بالسائق بعنف؛ فحول الرجل عينيه بسرعة عن أسراب حمام تطير فوق سطح النيل كسحابة بيضاء. واكفهر وجهه لحظات، ثم انبسطت صفحته رويدا. آخر مشاحنة جرت بينك وبين المرحوم حسن قبل وفاته بشهر. يا حسن بك، أنا الذي يقرر متى يجب تقديم مشروع الميزانية. ولكن ذلك من صميم اختصاصي يا كريم بك. آه .. لا تضطرني إلى سحب العمل من يديك .. أنت تعرفني جيدا. إذن اسمح لي أن أحتج على هذه المعاملة، فلست أنا بالموظف الصغير. لو امتد به الأجل لكان اليوم منافسك الأول دون منازع. ولكن الجسم الفاسد لا يخلو من دمامل. ها هو علي كامل ذو الشرايين المتصلبة، ماذا يريد؟
وقفت السيارة أمام جروبي، فغادرها ثم دخل المحل. أجال بصره في أنحاء المكان حتى رأى الأستاذ علي فمضى إليه، ثم صافحه بحرارة قائلا: صباح الخير، تهاني على مقالتك الأخيرة. - أعجبتك حقا؟
كرر إعجابه وهو يجلس. وطلب قهوة وهو يبتسم ابتسامة ذات معنى، فقال الأستاذ: الظاهر أنك وفقت؟
دس يده في جيبه الداخلي، فأخرج مظروفا سلمه للأستاذ، وهو يقول: قنبلة العام! - حقا؟ - سوف تنفجر تحت أقدام نسيم البحيري المأفون المغرور. - أنت متأكد من صحتها؟ - وثائق لا يرتقي إليها شك. - لا أريد أن أعرض الجريدة لقضية خاسرة! - الله يعلم كم كلفني الحصول عليها من حيلة ومال. - إن لم تقض على البحيري؛ فستقضي علي! - ستقضي على البحيري وحده.
تبادلا نظرة طويلة، ثم قال كريم: سيكون نصرا للجريدة. - ولك أنت.
ضحك كريم ضحكة أضخم بكثير من جسمه النحيل الدقيق، فتمتم الصحفي باسما: أنت رجل جبار حقا! - أنت رجل مستقيم ونظيف، فلا يهمني أن أرمى بعد ذلك بالقسوة.
وقرأ في عيني الصحفي نظرة لم يفهمها تماما، فقال: أنت أيضا تكرهه. - سأنشر الوثائق للمصلحة العامة، ولا دخل لعواطفي في ذلك. - حسن، وأنا أخدم المصلحة العامة بطريقتي كذلك.
وقام مادا له يده فصافحه، وهو يسأله عن صحة ابنه، فقال وهو يمضي عنه: لا بأس به، ولكن الحرارة ما زالت مرتفعة، شكرا لسؤالك عنه.
استقل سيارته إلى مكتب الأستاذ يوسف عبد الرحمن المحامي الذي استقبله بترحاب وهو يقول: مبارك يا كريم بك، قرأت اسمك أمس بين المرشحين. - شكرا يا عزيزي، خبرني عن جلسة أمس. - تأجيل لتقديم مذكرات. - وماذا عن مركزنا؟ - عال جدا، أنا مطمئن كل الاطمئنان. - إذن سيركع فهيم الدسوقي؟ - أجل، ولكن ثمة جديد. - ما هو؟
Bilinmeyen sayfa