إننا لا نزال نجد اليوم في مجموعة نظم مدينة مرسيليا قانونا خاصا يتعلق بالقناصل، صدر عام 1253. وتشير إحدى مواد هذا القانون إلى العهد الذي كان يقطعه القناصل على أنفسهم، حالفين اليمين بأنهم لا يصحبون معهم ولا يدخلون إحدى بنات الهوى إلى البلاد الخاضعة لسلطانهم. وهذا - طبعا - يمت بصلة إلى الاتجار بالرقيق الأبيض الذي استمر بطريقة سرية.
وكان يلحق بالقناصل - الذين كان يقتضى إبدالهم كل سنة - كاتب رسمي يقوم بوظيفة محرر.
على أن مغادرة الصليبيين سوريا كانت ضربة قاضية على المؤسسات التجارية التي لم يفكر في إنعاشها إلا بعد انقضاء زمن ما؛ فكنا كأنما نبتدئ من جديد. ويظهر أنه - بهذه المناسبة نفسها - قد تمكنا من تعاطي التجارة مجددا في الشرق بواسطة الفينيقيين أيضا؛ وهكذا وجه الإفرنسيون خطاهم الأولى نحو مصر، وشعر لويس الحادي عشر بضرورة دعم هذه الأعمال التجارية الحديثة العهد، فمنع بضائع الشرق من دخول المملكة إلا إذا كانت محمولة على مراكب وطنية.
والمظنون أن تاريخ إعادة قنصليات فرنسا إلى طرابلس وسوريا وبيروت وقبرص يرقى إلى مطلع القرن السادس عشر. قال صاحب المذكرات التاريخية الديبلوماسية: «إن القناصل لم يكونوا يخرجون حتى إلى رد الزيارة إلا تحت مظلات ترفع بالأبهة نفسها التي نشاهدها في احتفالاتنا الدينية. وهذا التقليد - الذي يبدو لنا اليوم مستهجنا - كان يراعى يومذاك بدقة، وقد يكون ذلك حقا لأن الشرقيين عبيد يجب أن يبهرهم بهاء جهاز مهيب.»
3
وهذه العادة هي - فيما عدا ذلك - ذات صلة وثيقة بالزمان. إن موظفي السلطات التركية كانوا أنصاف آلهة؛ ولهذا وجب أن يحاط القناصل بكل ما يستطاع من الإجلال.
تمتع الإفرنسيون الذين أقاموا في سوريا بسلطان الامتيازات التي أقرتها المعاهدات المختلفة المعقودة مع الباب العالي، وإنهم مدينون بهذا لنشاط القناصل الذين حافظوا عليها ولمقدرتهم، فلم تمس في أثناء الاحتلال المصري. أراد الذين كانوا يحكمون باسم محمد علي أن يزعموا أن سوريا ستحكم طبقا للشرائع المتبعة في مصر، وهي الشرائع التي تلغي الضرائب وغيرها من التقاليد البالية. بيد أنها لم تكن غير محاولات جربت فباءت أخيرا بالفشل.
إن هذا الإجراءات الهامة التي رأوها في أوروبا ضرورية، وهي في الحقيقة نافعة، لا تنتج إلا المساوئ متى كانت في أيدي سلطات تشبه السلطات السورية، هذه السلطات التي يقف منها الأوروبيون موقفا شريفا، في حين أن السوريين لا يتعاطون معهم إلا بكراهية ظاهرة ناتجة عن قلة الثقة.
أما فيما يتعلق بالإفرنسيين فإن جميع المؤسسات يعهد بها - في الأساكل - إلى الضباط الذين يوفدهم الملك ليقوموا بإدارتها، وكان السلطان قد منحهم السلطة المطلقة في تولي شئون مواطنيهم؛ فكانوا يمارسونها بحرا وبرا.
4
Bilinmeyen sayfa