انتزع الرسول بيضة من زناره وأراهم إياها.
وبعد هنيهة أشار بحركة ما معلنا انتهاء رسالته، وأنه مستعد أن يعيد طرح الأسئلة إذا أمر بذلك.
كانت دهشة المجلس على أشدها، واعترفت الرءوس الضخمة المجتمعة فيه بعجزها عن فهم تلك الرموز؛ أي فهم معناها الحقيقي الذي يعنيه السفير، لا سيما بعد أن رفض عدة تأويلات وتفاسير!
وهكذا انقضى اليوم الأول ولم ينجل الموقف إلا عن محاولات عقيمة من قبل مجمع العلماء العربي. غير أن الملك شاء في اليوم الثاني أن يدعو العلماء الباقين والأشخاص الحائزين على بعض الموهبة أو المقدرة على البديهة في الجواب.
وكانت الجلسة التالية فازدحم الناس أكثر من ذي قبل، وتفتحت العيون، وأعاروا المشكلة انتباها دقيقا، وفكروا طويلا، فأجمعوا أخيرا على أنهم لم يجدوا في حركات الموفد معنى يدل على فكرة متناسقة، أو موضوعا يمكن أن يظن أنه هو الذي انتقاه.
وذعر البلاط من النتيجة الثانية، وانتشر هذا الشعور حالا بين جميع الشعب؛ فضجت الرعية.
وبقي يوم واحد. نسيت أن أذكر أن الميثاق جعل المهلة ثلاثة أيام فقط. ولكن بأي أمل يمكن تعليل النفس بعد استشارة العلماء والمثقفين ونخبة رجال الأمة وعجزهم عن حل اللغز؟
ومع ذلك، فقد أراد الملك أن يفتح قصره في اليوم الأخير للجميع؛ فنودي في الشوارع بأن الأهلين جميعا مدعوون ليحاولوا حل هذا الطلسم، وأن جائزة ضخمة تمنح لمن يجيب على الأسئلة الثلاثة الشهيرة.
وانتصب الرسول الذي لم يعد يخامره أي ريب في فوزه، وأخذ يعيد ببشاشة كبيرة حركاته الأولى، رغم حرج موقف الذين حضروا ليجيبوا عليها. واستمرت الحالة هكذا حتى الظهر، وإذا بأحد كناسي الشوارع يقف على باب السراي يتأمل الجماهير التي تسده، سأل عن سبب هذا الاجتماع، وما شأن هؤلاء القادمين والذاهبين، فقال له واحد: ألم تعلم بعد؟ إن هنالك رسولا مكلفا طرح بعض أسئلة صعب الفهم، وأن الملك دعا رعيته كلها، فعليك أن تستفيد من هذه الفرصة وتجرب. فقال الكناس: وماذا يجدي علي ذلك؟ - جائزة ضخمة مثلك. - أدخل إذن.
ودخل الكناس. ولما صار أمام الموفد وجها لوجه، رأى نفسه مجبرا على الجواب، فقام بحركات مماثلة، ولكن بلباقة متناهية ونزق، ولو طال التمثيل قليلا لكان انتهى الأمر إلى المشاجرة.
Bilinmeyen sayfa