ردت علي أنطوانيت تحية الصباح دون أن ترفع عينيها عن الأوراق المتناثرة فوق مكتبها. وعندما جلست على مقعد أمامها، اكتشفت أن جفونها متورمة، وأنها وضعت كمية كبيرة من الكحل لتخفي التورم، وشعرت أنها متوترة للغاية.
قامت إلى المطبخ الصغير المجاور وهي تقول: نشرب القهوة ثم نبدأ.
تناولت الصحف من فوق مكتبها، وألقيت نظرة سريعة على عناوينها. كانت المحاولات ما زالت مستمرة لإنقاذ مؤتمر القمة العربية المقرر عقده بعد أسبوع في عمان. وفي مسقط أعلن السلطان قابوس أن الاتحاد السوفييتي هو المسئول عن عدم الاستقرار في منطقة الخليج، وطالب دول الغرب بالتصدي لسياسة السوفييت التوسعية. وفي الخرطوم بحث مسئول أمريكي متطلبات الدفاع السودانية. وفي واشنطون أعلن بيجين أن حكومته لن تتخلى عن مرتفعات الجولان السورية المحتلة. وفي باريس قالت الفيجارو إن سوريا أصبحت إثيوبيا أخرى في قلب الشرق الأوسط بعد إبرام معاهدة الصداقة والتعاون بينها وبين الاتحاد السوفييتي.
عادت أنطوانيت بالقهوة، فلمحتني أتثاءب. قالت: يبدو أنك سهرت أمس.
قلت: أبدا. دخلت الفراش مبكرا. لكن نومي كان منقطعا، ربما بسبب جو الأحداث المتلاحقة.
قالت وهي ترتشف من فجانها: عندما كانت المعارك على أشدها كنت أنام بعمق. المسألة مسألة تعود. وصوت الرصاص يمكن التعود عليه بسهولة، بعكس أشياء أخرى . - مثل؟
تطلعت داخل فنجانها وأجابت: أن تجلس لتأكل بعد أن تشهد عددا من الجثث المتعفنة. أن تندلع الحرائق وتنطلق القذائف بينما الراديو يذيع موسيقى البوب. أن يعترضك عدد من المسلحين ويطلبوا منك هويتك ليعرفوا مذهبك الديني، دون أن تعرف أنت مذهبهم هم. أو أن تقضي يوم الأحد بمفردك بين أربعة جدران.
قلت: أنا جربت حكاية الأحد هذه كثيرا.
أعادت فنجانها إلى طبقه، وتناولت حقيبة يدها، وتقدمتني إلى غرفة المونتاج دون تعليق. عاونتها في حمل علب الفيلم من خزانتها، وفي تثبيت البكرة التي سنشهدها، ثم أعددت أوراقي وقلمي، واتخذت مكاني أمام شاشة المافيولا.
الفصل الثالث من الفيلم
Bilinmeyen sayfa