Gelgitler Arasında: Dil, Edebiyat, Sanat ve Medeniyet Üzerine Sayfalar
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
Türler
أما الأنظمة السياسية فلا «ينبغي» أن نقتبسها، بل تقودنا الحاجة إليها شيئا فشيئا، وتوحي إلينا الضرورة بما يحسن اقتباسه منها في صور مناسبة لحاجتنا. وهذا ما جرى لتركيا التي حورت نظامها السياسي ثلاث مرات في 15 سنة؛ فقد أوحت إليها الأحوال بحاجتها وبما تظنه حسن العائدة عليها، وهذا ما يجري لجميع الأمم، كما فاجأت الأحوال مصرا بحركتها الوطنية التي لم تكن في الحسبان قبل شهور أو أسابيع.
والأنظمة السياسية والاجتماعية أبدا في تفاعل، وهذا من بواعث التجدد في الآداب؛ لأن الآداب وإن كانت ترجمان عواطف راسخة في الأفراد، فإن لغة هذا الترجمان وأسلوبه يختلفان باختلاف العصور والبيئات والأحوال. ولا غنى لنا عن الآداب الغربية، وليس اطلاعنا عليها اقتباسا، بل هو تعرفا بالعالم واستيحاء. فلماذا يستوحي المصادر العربية دانتي مثلا، ويظل أدبه إيطاليا؟ ويستوحي كبار شعراء الفرنسيس في القرن السابع عشر الآداب الإسبانية والعربية والإنجليزية واليونانية واللاتينية فيظل أدبهم فرنسويا، فلا ننتفع نحن بما هو جائز للآخرين؟ إن الانحصار في موضوع واحد يضيق الفكر ويحمل على الغرور، ولا بد من اختلاف أنماط الأدب في اللغة الواحدة والوسط الواحد؛ لأن شاعر القصور لا يمكن أن يكون شاعر الأكواخ، والعكس بالعكس، وإن كان لكل شاعريته وعاطفته ومنفعته وصيحته وأثره في جماعته.
أما في التربية والتعليم، فحاجتنا إلى الأساليب التي تعرفنا ببلادنا أولا وموقفها وشأنها، وتربي على الاستقلال والرجولة والنشاط والاتكال على النفس، وتدفع رجالنا عن الوظائف الحكومية إلى الأعمال الحرة والعناية بتجارة البلاد وزراعتها ومنتوجاتها واستغلال مواردها. ولا خوف أن يخنق هذا المنهج العملي مقدرة الابتكار في الشرقيين، فما الابتكار إلا من خصائص الأفراد الأفذاذ من كل أمة مهما عظم شأنها ، وهؤلاء يظلون فوق المناهج الدراسية والأنظمة، لا يتقيدون بمكان ولا زمان. أما الأكثرية الساحقة فهي المقلدة المسيرة، المحتاجة إلى حياة محددة معروفة السبل يسير فيها الجميع على السواء.
للأفراد أن يعتزلوا وينقطعوا ويرغبوا في حياة العزلة (ولو سألتهم عن هذه الحياة لما أحسنوا تعريفها، ولا تجردوا فيها من مبتكرات المدنية وحاجتهم إلى أبسط آلاتها ومنافعها). على أن ذلك الانقطاع لا يحيي الأمم، وقد تجوز الراحة لمن جاهد كثيرا، ولكنها لا تجوز لأمة ما زالت تفتح عينيها لليقظة وتتحفز للنهوض؛ فالأمة صورة مصغرة من الإنسانية، والإنسانية مستودع جميع النزعات والكفاءات والعبقريات والمقدرات؛ فالمظهر العلمي الآلي في الإنسانية عبقرية بديعة مدهشة. وإن كان لهذه الحضارة عيوبها، فأي حضارة، وأية حال إنسانية تخلو من العيوب؟ ومصالح الأوطان والشعوب هي غير مصالح الرهبان في الأديار، وشيوخ الطرق في التكايا، وأغراضها القاسية غير أغراض الفلاسفة والزهاد في الصوامع.
تتحتم إذن تنشئة مختلف القوى في جميع أفراد الأمة والاستفادة بكل تجدد في العالم، ويتيسر تلافي عيوب العصر ما أمكن بالمحافظة على ما في وراثتنا من حميد الأخلاق، فلنحافظ على كل جمال شرقي، ولنروج كل فن شرقي، ولنعتز بلغتنا الشرقية دون أن نغض الطرف عما يقدمه لنا الغرب من جمال وفن ونظام وابتكار، وليس في ذلك القضاء على شخصيتنا؛ فالشخصيات «الذكية» تنمو وتتسع وتغنى ولا تفنى، والحياة وكل ما في الحياة حب؛ أي تبادل في الأخذ والعطاء، والإنسان في العالم وارث ملك لا تحده حدود الأقاليم، ثم يترك الإرث لمن يليه بعد أن يضيف إليه عمله الفردي؛ فالإعراض بلاهة وسجن تضييق، وتحديد الحياة حرمان ومجازفة وعبودية.
لقد أعطى الشرق الغرب أديانا وأخلاقا وفلسفة إلهية وأنبياء وإلها، فتلقاها الغرب شاكرا وارتقى بها. أفيخجلنا أن ننتفع باختباراته الدنيوية وعلمه والدنيا دنيا الجميع كما أن الخالق إله الجميع؟
Bilinmeyen sayfa