131

Saraylar Arasında

بين القصرين

Türler

هب الشاب من فراشه واثبا إلى النافذة، ورمى ببصره فرأى تحت سبيل بين القصرين معسكرا صغيرا يشرف على رءوس الطرق التي تتفرع عنده، يتكون من عدد من الخيام، وثلاثة لوريات وشراذم متفرقة من الجند، وفيما يلي الخيام أقيمت البنادق أربعا أربعا، كل مجموعة تتساند رءوسها وتفترق قواعدها على هيئة هرم، وقد وقف الحراس كالتماثيل أمام الخيام، وتبعثر الآخرون وهم يتراطنون ويتضاحكون، ورمى الشاب ببصره ناحية النحاسين ، فرأى معسكرا ثانيا عند تقاطع النحاسين بالصاغة، كما رأى في الناحية الأخرى من بين القصرين معسكرا ثالثا عند منعطف الخرنفش، ابتدره خاطر أهوج لأول وهلة أن هؤلاء الجنود قد جاءوا للقبض عليه! ... ولكنه ما لبث أن استسخفه معتذرا عنه بقومته المزعجة من النوم الذي لم يكد يفيق منه، وبهذا الإحساس بالمطاردة الذي لم يفارقه مذ شبت الثورة، ثم وضحت له الحقيقة رويدا، وهي أن الحي الذي أتعب السلطة المحتلة بمظاهراته المتواصلة قد احتل احتلالا عسكريا. لبث ينظر خلال الخصاص متفحصا الجنود والخيام والبنادق واللوريات، وقلبه يخفق في رهبة وحزن وحنق، حتى تحول عن النافذة شاحب اللون وهو يتمتم مخاطبا أمه: إنهم الإنجليز كما تقولين، جاءوا للإرهاب ومنع المظاهرات في منابتها.

وجعل يقطع الحجرة ذهابا وإيابا وهو يقول في سره حانقا: «هيهات ... هيهات» حتى سمع أمه تقول: سأوقظ والدك لأخبره بالأمر.

قالتها المرأة كآخر ما عندها من حيلة، كأن السيد - الذي يحل لها جميع مشكلات حياتها - كفيل أيضا بأن يجد حلا لهذا المشكل يبلغ به بر الأمان، ولكن الشاب قال لها بأسى: دعيه حتى يستيقظ في وقته.

فتساءلت المرأة في رهبة: ماذا نفعل يا بني وهم مرابطون أمام مدخل بيتنا؟

فهز فهمي رأسه في حيرة قائلا: ماذا نفعل؟! (ثم بلهجة أكثر ثقة) لا داعي للخوف، ليس إلا أنهم يرهبون المتظاهرين.

قالت وهي تزدرد ريقا جافا: أخاف أن يعتدوا على الآمنين في بيوتهم.

ففكر قليلا في قولها ثم تمتم: كلا لو كان الاعتداء على البيوت مقصدهم ما وقفوا ساكنين حتى الآن.

لم يكن مطمئنا إلى قوله كل الاطمئنان، ولكنه وجده أوفق ما يقال، وعادت أمه تسائله: وحتى متى يقيمون بيننا؟!

بطرف شارد أجابها: من يدري؟! ... إنهم ناصبون الخيام فلن يرحلوا سريعا.

تنبه إلى أنها تسأله كما لو كان قائد القوات العسكرية، فنظر إليها في عطف وهو يداري بسمة ساخرة فرجت ما بين شفتيه الممتقعتين، وفكر لحظة في مداعبتها ولكن كآبة الموقف صدت نفسه، فعاوده الجد كما يقع له أحيانا إذا روى ياسين له «نادرة» من نوادر والده تدعوه بطبيعتها إلى الضحك، ولكن يصده عنه القلق الذي يعتريه كلما اطلع على جانب من شخصية أبيه الخفية، وسمعا وقع أقدام تهرول نحوهما، ثم اقتحم الحجرة ياسين تتبعه زينب على الأثر، وصاح الشاب الذي بدا منتفخ العينين مشعث الشعر: أرأيتم الإنجليز؟

Bilinmeyen sayfa