فاضطربت لهذا الخبر؛ لأن البنصر المذكور مفقود مني، وقد طالما رأيت والدتي تسأل الأطباء عما إذا كان يضرني في كبري، وتأكدت ثمة أن هنري فركنباك هو ابني بلا مراء.
هل أستطيع بعد التشكيك في أبوة زنائية ...؟ وهل يمكنني بعد أن أقيل من طريقي عثرات فعل فظيع وحشي أتيته ...؟ لا، لا فإن لي معذبا من قلبي لا أستطيع معه التجاهل؛ ولكثرة ما اشتدت علي الأوهام نسيت الغداء، فصاح البارون بي قائلا: في أية السيارات يسير الآن فكرك ؟ أفي عطارد أم في الزهرة؟ أم ترى الأرض أدنى من قدرك منحطة تحتك فتطلب ملأ أعلى؟
فاعتذرت بما في وسعي على إخلالي باللياقة، ولا أشك أن ريتا أدركت سر ما يحرك دماغي، ولا بد أنها حسبتني أفكر في غرامها، وربما حسب البارون أنني أفكر في كورالي، ومن المحتمل أن مدام جونريت حسبتني «أحب لويزا»، وما كنت أفكر بالحقيقة إلا «بأن هنري فركنباك كان ابني».
ولما هممت بالذهاب مرت إلى جانبي وقالت هذه الكلمات الأربع: الأحد ... الساعة الحادية عشر.
ماذا تقصد من هذا الموعد؟ ذاك أوضح من شمس الضحى ...! تود أن نعود إلى شأننا القديم، وبعد أن نزل الستار على الفصل الأول من هذه الرواية المحزنة، أرادت ريتا أن يرفع عن فصل آخر، وأن الرواية توصل، على أن هذا المرام ضد مرامي، ولما أن انتهى الفصل الأول تنفست تنفس الراحة، وكرهت التمثيل والممثلين، وأقسمت أن لا أعود فأركب مراكب هذا الحب.
فأنا الآن لا أتبصر في مهرب من موعدها، بل أتبصر في مهرب من حبها، ولست أرجي مناصا من لقائها، بل من هواها، وكيف النهوض من لجة هبطت بي إلى أقصى دركات المهالك، ومن أين باب النجاة وقد أوصد الحب دوني جميع المسالك ...؟ فهل ريتا تصرمني إذا صرمتها؟ وهل تراها تنكرني إذا أنكرتها ...؟ لا، لا أرى مناط الثريا وإمساك السهى دون ما أرجي.
يوجد في قاعة اللوفر المربعة نجمة إلهية من رسم أندرية سولاري، يكفي الرائي أن يراها مرة لترتسم في مخيلته فلا تفارقه البتة، ففي يوم الأحد وفي الساعة المعينة دخلت بيت فركنباك ووقفت على العتبة أفكر في ذاك الرسم صامتا مدهوشا، كأني أرى نصب عيني يسوع الطفل، إذ تملص من اللفائف، والربط يلعب برجله اليمنى وينظر إلى أمه التي هي أشبه بعذراء سولاري وعارية مثلها، لا تهتم بإخفاء كربها، بل هي تنظر إلى ثمرة أحشائها المباركة، وتبتسم لمداعباته.
فهل فرق بين حال ريتا وبين تلك الحال المرسوم؟ وهل تباين بين معنى تلك وحقيقة هذه ...؟ كلا!
وبينا أنا في بحور أوهام خرجت لملاقاتي، وقالت: أهلا بالحبيب، ومرحبا منذ ساعة وأنا في انتظارك، فلماذا تتمهل بالدخول؟ ولم لا أرى فيك عواطف الأبوة؟! وكيف لا تنعطف على ولد هو ثمرة حبنا؟! الولد الذي يجب أن لا تسأل عن غيره ولا تشتغل بسواه.
لم يك في هذه الفاتحة ما يحملني على حربها، ورأيت أن أستعمل معها السلم أيضا، ولكن سلمنا كان متسلحا، فأجبتها من فوري: اتهمتني بالأبوة يا عزيزتي، فأنى لك تأكيد ذلك؟ ومن أين لي معرفة ما إذا كان هنري هو ابن فركنباك أم ابني؟
Bilinmeyen sayfa