فيه. وصرح بهذا المراد بـ "إلا الله"، فمراده بقوله: وإيجابه له وانحصاره فيه، هذا هو توحيد الفلاسفة وأهل الوحدة، فإن الله عندهم مسماه: الكون المطلق، فكل ما كان خارجا عن الذهن من الأشخاص فقد دخل في مسمى الله، فكل ما في الكون من خبيث وطيب فهو الله، كما ذكره شيخ الإسلام وابن القيم وغيره عنهم. فواجب الوجود والممكن كله داخل في هذا المسمى عندهم، وقد صرحوا بهذا في كتبهم، فلم يفرقوا بين الخالق والمخلوق، وقد قدمنا التنبيه في كلام شيخ الإسلام وابن القيم -رحمهما تعالى- كما ذكر إبراهيم بن سعد ذلك عنهم، وكما قال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
يا أمة معبودها موطوؤها ... أين الإله وثغرة الطعان؟
والناصح لنفسه يكون من هؤلاء الملبسة على حذر، ولا يهمل السؤال عنهم وعن مذاهبهم، وما يخدعون به العامة من زخرف القول، الذي ربما يظن الجاهل أنه حق، وهو عبارة هؤلاء عن باطلهم، كما نبه على ذلك شيخ الإسلام من وضعهم أسماء الحق على باطلهم، وكل طائفة من أهل البدع لها توحيد. وهذا الذي ذكرناه هو توحيد الفلاسفة والاتحادية، وقد أضلوا بما موهوا به كثيرا ممن ينتسب إلى العلم.
يا قومنا، الله في إسلامكم ... لا تفسدوه لنخوة الشيطان
وتأمل ما ذكره الفخر الرازي في معنى "لا إله إلا الله"، فإنه قال: التحقيق أن المضمر المرفوع بـ "إله" راجع بالحقيقة إلى نفي الأعيان التي سموها آلهة من حيث إنها آلهة، لا إلى وجودها في حد ذاتها ضرورة أنها موجودة في الخارج بالفعل محسوسة. وحاصله نفي كل فرد من أفراد إله من تلك الحيثية غير الله راجع إلى نفي الألوهية عن كل موجود غير الله. انتهى.
فتأمل قوله: راجع إلى نفي الأعيان التي سموها آلهة. (قلت): وهو الحق، لأنها نفت إلهية كل مألوه يألهه المشركون غير الله، من كل صنم ووثن وشريك
1 / 358