Battalions and Expeditions around Medina and Mecca
السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة
Yayıncı
دار ابن الجوزي
Baskı Numarası
الأولى-جمادى الأول-١٤١٧ هـ
Yayın Yılı
١٩٩٦ م
Türler
فما كان من الرجل وهو يسمع مناشدة رسول الله ﷺ له بد من إجابته، فقام يتخطى الناس مضطربا حتى قعد بين يدي رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، كانت أم ولدي، وكانت بي لطيفة رفيقة، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، ولكنها كانت تكثر الوقيعة فيك وتشتمك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر١ ثم شرح له بالتفصيل كيف قتلها، عند ذلك قال لهم رسول الله ﷺ: "ألا اشهدوا أن دمها هدر"٢.
يتضح لنا من سياق هذه القصة مدى الحب الطاغي المسيطر على قلوب أصحاب النبي ﷺ له، فهذا رجل ضرير لديه مثل هذه المرأة الرفيقة به، اللطيفة معه على ما به من الضرارة، علاوة على أنها أم لولديه الصغيرين، ومع ذلك كله قتلها غضبا لله ﷿ ولرسوله ﷺ لم تمنعه حاجته الشديدة لها، ولم يغره لطفها ورفقها به، ولم يشفع لها عنده أمومتها لولديه الصغيرين، لأنه ممن كتب الله في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، وهكذا المؤمن الكامل الإيمان يقدم حبّ الله ﷿ ورسوله ﷺ وموالاتهما على كل شيء آخر حتى لو كان نفسه، قال الله تعالى ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ٣.
ومما نستنبطه من هذا الخبر والذي قبله: أن سابَّ النبي ﷺ مهدر الدم، فقد ذكر كل من المنذري والخطابي، أنه لا خلاف في أن سابه من المسلمين
١ من رواية النسائي عن ابن عباس ﵄ انظر النسائي، سنن (٤/١٠٧) والألباني، صحيح سنن النسائي (٤/٨٥٣) . ٢ من رواية أبي داود، والنسائي عن ابن عباس ﵄ انظر أبي داود سنن (٤/٥٢٩)، والنسائي، سنن (٤/١٠٨) . ٣ المجادلة (٢٢) .
1 / 137