Büyük Mısır Uyanışı Kahramanı Saad Zaglul Paşa
بطل النهضة المصرية الكبرى سعد زغلول باشا
Türler
وعجيب أن يعيش سعد في تلك القطعة من الأمن وهو في عظمة ذهنه وروحه تحت وزارة لا تعيش إلا برأسها وتسعى لصالحها وصالح الذين يشرفون عليها دون صالح الأمة التي تقلدوا مقاليد الحكم فيها، ولكن لعمري ماذا يستطيع أن ينقض سعد وحده ما يبرم الرئيس وصنائعه من وزرائه، وماذا يجد من القوة لمحاربة الضعف والمهانة التي حشدت حشدها بين زملائه، ونحن نعلم أن الشر قد يستطيع زمانا أن يطفئ لمعة الخير وقد يسوق الخير في أزياله ويحمله فوق ظهره، ويلبسه لبوسه ويقنعه بترك أمره، على أنه وإن اشترك هذا الرجل العظيم مع الوزارة السعيدية فيما أحدثت من النكر وجاءت به من الأذى، فلا نرى له أبدع شفاعة من صراحة ولا نجد معاذير خيرا من معاذيره إذ قال يوما في موقف مشهود في الجمعية التشريعية: «أعترف أني وأنا وزير قد عملت بحسن نية وإخلاص عملا لو عرض علي اليوم لكنت أول المعارضين فيه، فقد عرض علي قانون المطبوعات فعارضت فيه أولا، ثم لم ألبث أن وافقت عليه واشتركت في تطبيقه لظروف بررتها في ذلك الوقت أمام نفسي وها أنا اليوم نادم على ما فعلت بالأمس - «وقال أيضا» «كنت قاضيا وكنت وزيرا وها أنا اليوم عضو بينكم في الجمعية التشريعية وأحس من نفسي بأن شعوري كان يختلف باختلاف تلك المراكز جميعها، وأني ربما كنت أرى الرأي في حالة ثم أرى غيره في حالة أخرى، ومع ذلك فقد كنت حسن النية في جميع الحالات، فلا تهولنكم أشخاص الوزراء ولا الفضل الذي تعرفونه عنهم فقد تتغلب عليهم مراكزهم فيعملون بحسن نية ما يظنون أن فيه فائدة للأمة وهو ليس كذلك.».
هذه هي العظمة التي لا تأنف من أن تعلن عن هناتها، وتشرح للناس هفواتها، لأن العظماء يرون أنهم أكبر من أن يدعوا أن الخطأ لا يداخل عملا من أعمالهم، وأن الهفوات ليست منهم وليسوا منه، وإنما صغار الناس والمتكبرون الطائشون هم الذين يكبر عليهم أن يعترفوا بخطأ أو يكاشفوا الدنيا بهفواتهم؛ لأن حياتهم سلسلة من الأغلاط وتاريخهم هو تاريخ الخطأ الإنساني كله ولا تجدن عظيما يبيح لنفسه أن يبرئها من الزلل؛ لأنه يعلم أن تلك صفة لم تقع للجنس الإنساني وإنما اختصت بها القوة الإلهية.
وكذلك سقطت وزارة سعيد في عام 1913 فاعتزل سعد منذ ذلك العهد المناصب الحكومية ووقف بعد ذلك مواقفه عن الأمة، فكان تاريخه فيها أنصع من تاريخه في حياته الحكومية. (6) نائب الأمة في الجمعية التشريعية
لم يلبث بعد أشهر قضاها صاحب الترجمة مخلدا إلى العزلة بعيدا عن ضجة الحياة السياسية، أن أنشئت الجمعية التشريعية فكان فيها العضو المنتخب عن الأمة بجانب العضو المنتخب عن الحكومة وقد ظفر بذلك المنصب على رغم أعدائه.
ونال هذا اللقب بعد أن دست الدسائس لحرمانه، وتألب الخونة وصغار النفوس والمارقون المالقون، وأرادوا أن يحولوا في الانتخابات بينه وبينه ولكن الحق أبى إلا أن يدفع الباطل، فوقف الرجل مكانه العظيم المشهود في تاريخ الجمعيات البرلمانية وجال في الجمعية التشريعية جولته والذين اطلعوا على ما كان يجري من المناقشات في تلك الجلسات ورأوا سعد زغلول خطيبا وشهدوه قائدا من قواد الإنسانية العظماء، رأوا ثم قلبا يتدفق على فم سحري عذب، ومنطقا متينا جياشا بليغا، ودفاعا مستمكنا حارا ملتهبا.
ويلوح لنا أن للخطيب البليغ فضلا على الكاتب البليغ؛ لأن الكاتب يستطيع أن يجد من زمنه وجلوسه إلى مكتبه حول كتبيه وتواليفه ومراجعه ومعاجمه المكنة التي تعينه على العناية بمعانيه والاحتفال بأسلوبه، ولكن ليس للخطيب البليغ إلا مكانا بين لسانه وجنانه يربط سلسلة أفكاره ويوازن بين معانيه وليس لديه من الزمن ما يمكنه من ذلك.
ولولا القوة الخفية التي تدعى إلى الخطيب بالمعاني الثرة المستفيضة ولولا الوحي الذي يتنزل على قلبه وهو في موقفه الرهيب، ولولا أن الخطيب إنما يتلقى معانيه وآراءه جاهزة من يد الطبيعة مفصلة تامة من لسان الكون لما استطاع خطيب أن يقع في قلوب السامعين أو يريد القوم على ما يريده منهم وقد وعيت جميع ما أتاه به صاحب الترجمة وما جاء في عرض أحاديثه وخطبه ومواقفه السياسية فما هزني منها ولا راعني من ناحيتها إلا مبدأ واحد وفكرة فذة؛ وهي أن سعد زغلول رجل ديموقراطي النزعة حري المبدأ، ولعل تلك الكلمة العظيمة التي ألقى بها إلى أعضاء الجمعية التشريعية ... وهي ... يجب أن لا نكون ملوكيين أكثر من الملك «هي الشعار الذي يوحي إلى الناس الدليل على تلك النزعة، وهي شاهد حق صادق على استمكان تلك العاطفة من فؤاد الرجل ومبلغ أثرها في لبه.
ويظهر لي من إضعاف كلمه وآرائه أنه رجل منطقي لا يستهويه الشعر ولا يجب أن تمتزج الأفكار الشعرية الهوائية؛ بالحياة لأنه يعتمد على الحقائق ويرى أنها العنصر الواجب في حياة الأمم، ولا يميل إلى التأثير على الناس واجتذاب القلوب من ناحية العواطف ولا يستخدم لغة الأفئدة، وإنما أكبر ما يحتفل به في التأثير على الناس أن يسرد لهم الحقائق ويجيء إليهم من ناحية العقل؛ إذ يخشى أن تروح لغة العواطف في بعض الأحايين لغة كاذبة، وزخرفا باطلا؛ لأن أكثر ما تغتذي القلوب من الخيال والأوهام، وأما العقول فلا يصح لها ولا يجمل لديها إلا الحقائق والمشاهدات والنظريات الثابتة.
ولعل صاحب الترجمة اكتسب هذه النزعة الطيبة من كثرة قراءته كتب القانون، وتوفره على درس الكتب المنطقية وجلوسه إلى رجال القضاء، وامتزاجه بالمفكرين والعقليين، ولا تحسب أن ذلك حائل دون الرجل والأسلوب الرقيق، الذي يتغلغل إلى صميم القلوب، ويأخذ بأعنة الأفئدة، بل لا يزال الرجل عذب المنحى في خطابته، سلس التعبير، يدعو البيان فيجيبه، وتتدفق المعاني على شفتيه في ألفاظ رقيقة تجمع نفسها من حرارة وجدانه، والتهاب مشاعره، وصدق طويته.
وما علمنا قبل اليوم زعيما سياسيا في هذا البلد تلتقي في خطابته رقة الأسلوب بحلاوة المنطق، إلا مؤسس النهضة المصرية، البطل مصطفى كامل باشا، وهذه مزية لا بد فيها للزعامة، ولازمة لا غناء لقواد الأمم، وأبطال الشعوب عنها، وإلا فقدوا جزءا عظيما من نجاح مهمتهم، وكان افتقارهم منها خسارة كبرى وعقبة قد تقف في طريقهم، وفي الناس كثيرون من المفكرين أو السياسيين كانوا على خصوبة أذهان وقوة تفكير، ولكن وقف بهم أنهم عجزوا عن أن ينادوا في الجماهير بها، وحال بينهم وبين الخلود حرمانهم من هذه الموهبة الإلهية.
Bilinmeyen sayfa