فالذي يبرر الاشتراكية، بعد عامل الإنسانية، هو عامل الاقتصاد، عامل الإنتاج الوفير بتعبئة الشعب كله لزيادة رفاهيته وحضارته وثقافته. •••
ما هي العوامل التي عينت المذهب السياسي لبرنارد شو ووجهته؟
نشأ شو أرلنديا، فرأى استبداد الإنجليز ببلاده، وكره الفكرة الإمبراطورية وقاومها طيلة حياته، والمذهب الاشتراكي هو العدو الأصيل للفكرة الإمبراطورية الاستعمارية؛ لأن الأساس في الاشتراكية هو محو الاستغلال. الاستغلال للعمال داخل البلاد، والاستغلال للشعوب الضعيفة التي أخضعها الاستعمار.
ولم تكن أرلندا تزيد في نظر الإنجليز الاستعماريين على الهند أو مصر، وتاريخهم في هذه الجزيرة هو تاريخ الجزارة البشرية، وقد مرت بأرلندا أوقات كان عدد الأرلنديين المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية أكبر من عدد الأرلنديين داخل أرلندا. وذلك فرارا من فظاعة الاستعمار البريطاني.
ولكن برنارد شو يستعمل عقله ولا يستسلم قلبه حين يتحدث عن أرلندا؛ فإنه يجحد سلطة الكهنة الذين يستغلون تدين الشعب الأرلندي، هو يزيد على ذلك ويقول إن الأرلنديين قد اكتسبوا باحتلال الإنجليز لبلادهم شيئا لا يقدر بثمن هو اللغة الإنجليزية التي تصل بينهم وبين الثقافة العالمية، وهو يجحد محاولة الوطنيين الأرلنديين إحياءهم للغتهم الميتة.
وهو يكاد يبرر الفتوحات الإمبراطورية في حالات معينة؛ فإنه يقول إن مكافحتنا للمبدأ الإمبراطوري، وإخضاع شعب لشعب آخر يستغله، يجب ألا يعمينا عن حق العالم كله في الثروات المعطلة عند الشعوب المتأخرة؛ إذ ليس من حق شعب ما أن ينام على كنوز أرضه من بترول أو فحم أو حديد، فلا هو يستغلها ولا هو يترك غيره لاستغلالها، ثم يقف خلف هذا الجمود يدافع عن نفسه بحق استقلاله.
وهذا كلام جد يبدو خاليا من الرحمة، ولكنه لا يخلو من العدل؛ فإنه ليس من حق اليمنيين مثلا أن يحجموا عن استغلال البترول في بلادهم ثم يمنعون غيرهم من استغلاله.
وقل مثل هذا وأكثر منه عن سائر الشعوب الشرقية المتخلفة التي تغري المستعمرين بغزوها لجمودها. •••
ليس هذا الكتاب عن الاشتراكية، وإنما احتجت إلى قليل من الشرح لهذا المذهب؛ لأن شو قبل كل شيء اشتراكي، والاشتراكي ليس له فقط سياسة حزبية معينة وإنما له أيضا أخلاق يكتسبها من هذا المذهب، فهو إنساني يضع القيم الإنسانية فوق القيم الاجتماعية، وهو داعية مساواة، فلا يقول بأنه يجب علينا أن نكافح حتى نتفوق على غيرنا في الثراء أو غير الثراء، ثم لا يبالي الكسب إلا بمقدار ما يحصل منه على العيش المطمئن وليس على الترف، هو بكلمة مفردة: شريف.
وكانت الاشتراكية فيما بين 1880 و1900 مذهبا ثوريا قد ألصق به المحافظون والأحرار في إنجلترا نزعات شاذة كاذبة، مثل الإلحاد وقتل الأثرياء ونحو ذلك.
Bilinmeyen sayfa