ثم واصل ضاحكا: سأعثر عليه في إحدى رحلاتي لأبارك خطوته!
فتساءل محمد: أما كان الأوفق به أن يصبر عاما حتى يحوز شهادته؟ - هرب من التجنيد، وله حق!
وتلقى البيت القديم الخبر بهدوء نسبي؛ إذ لم يعد تهزه الأنباء السيئة. غير أن سنية قالت: لك الله يا منيرة!
فقالت كوثر: حظها أفضل من حظي!
فقالت سنية بعتاب: ابنك جدير بالإعجاب لا الرثاء.
رغم أنه لم يحقق إلا بعضا من آمالها؛ أجل سدت الثقوب، وسنفرت الأرضية، وطليت الجدران فشعت رونقا، ونجدت المراتب والأغطية والمقاعد والكنب، واتفق مع بستاني على تنظيف أرض الحديقة، وغرس ياسمين ولبلاب أسفل الأسوار لتكسو الخضرة الأسياخ الصدئة، وتشديب البقية الباقية من النخيل والبلح. سرت كثيرا وسعدت، ولكن أين هذه الحديقة الفقيرة من الجنة الموعودة؟! وخفف من فتورها وضاعف من امتنانها ما تطلع عليه يوما بعد يوم مما ينفق على البيت. رشاد ينفق بسخاء كأنه رب البيت تاركا المعاش لنثرياتها. كيف كانت تمضي الحياة لولا يده المبسوطة؟! وكأنما كانت تشاركه أفراحه في سياحته اليومية بين الكتاب والراديو والتلفزيون، وسهرته الأسبوعية مع زواره وسماع ضحكته المترعة بالسرور. وها هو يحلم بالزواج والكتابة وينتظر مزيدا من الضياء. وآمن رشاد بأنه حقق حلم جدته المحبوبة. وكم سره أن يجد منها استجابة قلبية لأحلامه! فهي - بخلاف أمه - تشجعه على الكتابة وتقول له: عرفت الحرب والسلام، ماذا تريد أكثر من ذلك؟
وهي الوحيدة في الأسرة التي تتفق معه على حب زعيمي الثورة، السلف والخلف معا، وتقول: لكل منهما مزاياه وأياديه، أما الأخطاء فسبحان من له الكمال وحده!
وقال يوما لزوار الجمعة من أهله: تبدون أحيانا كأنكم فقدتم الأمل، أنا وجدتي لا نفقد الأمل أبدا!
فقالت منيرة بمرارة: عربدة الغلاء أنستنا النصر!
ثم تساءلت متنهدة: وأين علي؟!
Bilinmeyen sayfa