وقد علل ذلك بعض المؤرخين بفقرهم ولكون الضرائب الإضافية كانت تفرض على المصريين بين وقت وآخر، ومنها ما يؤخذ للترفيه عن الحكام وضيافتهم في حفلات وولائم فخمة. من ذلك ما جعل كهنة إيزيس يكتبون على مسلة «الفيلا» شكوى لربهم مما حل بهم من ضنك بسبب إطعام الجنود والقادة في تجوالهم بالأقاليم القبلية. ومن ذلك أيضا أن نبيلا رومانيا وفد على مصر في سياحة ومعه حاشيته يحمل أمتعتها أربعون حمارا، وكانوا يجوبون البلاد بدعوة من الحكومة، ويرغم المصريون على الاكتتابات للاحتفاء بهم. ولهذه الأسباب امتنعوا عن إيداع نقودهم في البنوك حتى لا تؤخذ منهم في تلك الضرائب الإضافية والاكتتابات الجبرية، بينما الإغريق - وهم الأغنياء - لا تمتد إليهم أيدي الجباة وكبار الموظفين من أبناء جنسهم الذين استعمروا البلاد.
البنوك عند الرومان
ولما فتح الرومان مصر بعد هزيمة كليوباترة سنة 532م، أدخلوا كثيرا من التعديلات على نظم البنوك الخصوصية والعمومية التي سبق لهم أن نقلوها عن الإغريق والبطالسة. ومن أهم هذه التعديلات أنهم أباحوا للأفراد اتخاذ البنوك حرفة لهم، وقد كان البطالسة لا يسمحون بذلك إلا بعد تصريح من المتعذر أن تعطيه الحكومة؛ مما جعل أغلب المؤرخين يذهب إلى القول بأن البطالسة قد احتكروا أعمال البنوك وجعلوها ملكا للدولة.
وعلى العكس كانت روما تعد مهنة البنوك تجارة حرة، وكان مديرو هذه البنوك الخصوصية منفصلين تماما عن مديري خزانة الدولة. وقد عرفت روما هذا النوع من البنوك في القرن الرابع قبل الميلاد، وكان يقوم به جماعة من الصيرفيين عرفوا باسم
Argentarû
فتحوا حوانيت إلى جوار الفورم وفي الأحياء القريبة منه. وكانوا يتجرون في المعادن النفيسة - وبنوع خاص الفضة - بيعا وشراء، ويقرضون النقود بالفائدة. وكان بعضهم من أصل أجنبي من الإسبان الرومانيين والإغريق والفينيقيين.
ولما انتصرت روما على قرطاجنة سنة 146ق.م، اضطرت إلى تنظيم ماليتها وشئونها الاقتصادية لتسير بخطوات ثابتة في بناء إمبراطوريتها العظيمة. فجعلت خزائنها تؤدي أعمال المصرف الحكومي للدولة، وجعلت لها عشر فروع في المستعمرات أهمها فرع الإسكندرية لمصر ولما جاورها من بلاد أفريقية. وهذه الفروع تجبي ضرائب الصادرات والواردات وتحصل الجزية وترسلها للخزانة في روما. وكانت خزانة روما تقرض المستعمرات وتحاسبها على الفائدة إذا هي تأخرت في دفع ما عليها من جزية.
أما البنوك الخصوصية، فكانت تقوم على أموال مؤسسيها وأموال الأثرياء من الحكام وأغنياء الرومان. وكانت هذه البنوك تفتح الحسابات الجارية وتقبل التحاويل، ولها دفاتر منظمة، منها ما نسميه الآن بدفتر الصندوق ودفتر اليومية ودفتر الأستاذ. وإلى بنوك الرومان يرجع الفضل في وضع الأصول لطريقة مسك الدفاتر الحالية.
وكان المقرضون يتعاملون في أغلب الأحيان بأكثر من الفائدة القانونية؛ مما اضطر المشرع الروماني إلى استعمال القسوة؛ فنص على مصادرة قسم كبير من أموال الدائن والمدين إذا ثبت عليهم التعامل بالربا. فلجأ بعضهم إلى التحايل على القانون بطريقة البيع المعروف «بالغاروقة» أو بطريقة بيع السلم، ولما شددت الحكومة على المرابين نزح كثير منهم إلى مصر - التي ابتليت منذ القدم بالأجانب المشتغلين لها - فأقرضوا تحت أعين حكامها الرومانيين ورعايتهم بفائدة بلغت 80٪ في كثير من الحالات.
ولقد كان الربا متأصلا في نفوس الرومان. وكانت عقود الاقتراض تبيح للدائن أن يسترق مدينه عملا بالشرط الذي يلزم المدين أن يضع نفسه تحت تصرف الدائن إذا عجز عن الوفاء.
Bilinmeyen sayfa