لا بد لي حين أتبع الطريقة التاريخية من أن أمر مرورا عابرا على سير بعض الأمم والأفراد لأقتطف منها ما يصلح أن أقدمه نموذجا على عمل معين أو فكرة خاصة، مما أراه جديرا بالذكر في هذا البحث.
ولو رجعنا إلى مصادر التاريخ القديم فيما أمكن العثور عليه من الحفريات لوجدنا أن الإيداع والاقتراض كلاهما قديم في ذاته قدم الطيبات من الرزق. كان الإنسان يستكثر منها، فإن زادت عن حاجته ادخرها إلى وقت يفيد منها فيه، وإن امتنعت عليه راح يلتمسها قرضا أو صدقة ممن يقدر عليها.
فإذا كان الإنسان في عهده البدائي فأدوات الصيد والدفاع عن النفس والحبوب هي أثمن ما يحرص عليه، وهي لهذا نقوده الأولى التي تبايع بها أيضا قبل أن يهتدي إلى استعمال الأجرام المعدنية ثم النقود المسكوكة التي بدأ يضربها الليديون - على أرجح الأقوال.
ولما كان من الطبيعي أن يحتفظ الإنسان بتلك السلع، وأن يدخرها لوقت الحاجة في مكان أمين خوف السرقة أو الغصب، فقد استودعها المعابد في أول الأمر؛ لما فيها من مناعة وقداسة. وكانت معابد قدماء المصريين والآشوريين والبابليين والفرس والإغريق بها أمكنة خاصة لحفظ ودائع الأفراد. ولدينا الآن من قطع الخزف وجدران بعض المعابد ما تثبت نقوشه أن تلك المعابد كانت تقبل الودائع وتقرض الأفراد؛ مما جعل المؤرخين يقطعون بأن معبد «دلوس
Delos » ومعبد «أفيز
Ephese » ومعبد «ساموس
Samos » كانت تؤدي الأغراض التي تؤديها شون البنوك في الوقت الحاضر.
لم يكن كاهن المعبد عند قدماء المصريين مجرد رئيس ديني، وإنما كان على درجة كبيرة من الاستعداد الاقتصادي، فكان يدبر للناس أمور معاشهم ويقدم لهم المساعدات في أوقات الضيق، ويقوم عليهم بغير قليل من التوجيه الاقتصادي المحلي.
وقد أكد لنا البحث التاريخي صحة ما جاء في الكتب المقدسة من أن يوسف - عليه السلام - قد جعله مولاه على خزائن الأرض المصرية يعالج أزمة امتدت إلى سبع سنوات بسبب انخفاض فيضان النيل. ومن هذه الحقيقة التاريخية نشأت الأسطورة التي يؤمن بها الإسرائيليون من تعاقب الأزمات مرة كل سبع سنوات، وقد حاول كثير من الاقتصاديين أن يقيموا الأدلة على صحتها.
الإقراض عند الإغريق
Bilinmeyen sayfa