Çağdaş Retorik ve Arapça
البلاغة العصرية واللغة العربية
Türler
وإذا جعلنا المنطق أساس البلاغة؛ فإننا عندئذ نجعل قواعد المنطق ونظريات إقليدس مما يدرس للتفكير الحسن، وهو الغاية الأولى للبلاغة، ونبين قيمة الأرقام في التفكير الحسن ثم تأتي بعد ذلك الفنون، وهي عاطفية انفعالية للترفيه الذهني. ولكن يجب أن نذكر أن التفكير الدقيق بالمنطق أخطر وأثمن من الترفيه الذهني بالفنون، وإذا جعلنا المنطق أساس البلاغة فإننا سنبحث الكلمات من حيث معانيها. ونبين كيف أن الناس كثيرا ما يخلطون بين الشيء واسمه، وأن هذا الخلط يشقيهم؛ لأنه يبعدهم عن التفكير الناجح ويؤخر نجاحهم ويعطل المجتمع عن الرقي.
كنت في الريف فوجدت الفلاحين يذكرون كلمة «وريتة» ويقصدون منها إلى ثلاثة أشياء مكروهة وهي البومة؛ لأنهم يتشاءمون منها، وابن عرس؛ لأنه يفترس الفراخ، والحمى؛ لأنها تمرضهم فهنا ثلاث كلمات: البومة، وابن عرس، والحمى، وقد اختلطت على الفلاحين أسماؤها؛ فصارت في أذهانهم مسميات، كأن الحمى ليست من جراثيم حية تدخل الجسم وتأكل خلاياه، بل هي «ح م ى» وكذلك لم يعد ابن عرس حيوانا يحتاج إلى أن ننصب له الشراك كي نوقعه، بل هو كلمة تحدث ضررا إذا لفظناها، وكذلك حملت البومة شحنة عاطفية تتصل بالسحر القديم؛ فإذا ذكرنا الكلمة فقد هيأنا الجو للخراب، ولذلك يجب في عرف الفلاحين أن نقاطع هذه الكلمات الثلاث، ونقول بدلا منها «وريتة».
وهذا المثل على سذاجته يجب أن ينبهنا إلى علاقتنا باللغة؛ فإننا كثيرا ما نخلط بين المسمى والاسم، وإذا كنا لا نتشاءم بالبومة ولا نقول «غراب البين»؛ فإننا نضفي على بعض الكلمات مثل «الاشتراكية» معاني مكروهة، حتى إن بعض الحكومات كانت تمنع ذكرها في الصحف، والكتب، ولكنها مع هذا المنع، لم تخترع كلمة مثل «وريتة»، كما اخترع الفلاحون حين أرادوا التعبير عن الحمى وابن العرس والبومة.
وما يقال عن الكلمات المكروهة يقال أيضا عن الكلمات المحبوبة، فإننا كثيرا ما نخدع بكلمات لها بريق، أو رنين، أو ضجيج، وكثيرا ما ننسى أن الكلمة ليست هي الشيء وإنما هي رمز للشيء على أن البلاغة القديمة - بلاغة الانفعال والعاطفة - يمكن أن نستخدمها للتوجيه الاجتماعي في الأمة، ولكن مع الحذر من أن يعود هذا التوجيه لدعاية سيئة لأحد المذاهب الضارة.
الفصل التاسع
ضرر اللغة أيضا
اللغة الحسنة هي التي حين نعبر بها نحس السيادة المنطقية على كلماتها. فلا نشعر أنه كان يجب أن نزيد هنا أو ننقص هناك، أو أن معنى الكلمة التي استعملناها قد يحمل القارئ على أن يفهم ما قصدناه، وبكلمة أخرى نقول: إن اللغة الحسنة هي تلك التي تتيح لنا التفكير المنطقي كما لو كانت كلماتها أرقاما تؤدي لنا الحساب الذي لا يحمل حاصل الجمع أو الطرح فيه معنى الشك، أو على الأقل يجب أن نقارب هذه الحال من الدقة على قدر الإمكان.
والواقع أن العلوم لا تنضج إلا حين تقاس بالأرقام وتعبر الأعداد عن حقائقها، ولا يزال كثير من علمي السيكلوجية والاجتماع بعيدا عن إمكان التعبير عنه بالأرقام؛ ولذلك تنقص قيمتها بقدر هذا العجز عن استخدام الأرقام في شرحها وفهمها، ونحن في مصر نسيء إلى اللغة العربية وإلى شبابنا أيضا، حين نتخذ معهم طرقا عتيقة في معالجتها يمكن تلخيصها فيما يلي: (1)
أننا نعلمهم مبادئ البلاغة العاطفية بالمجاز، والاستعارة، والتشبيه إلخ كي يصلوا منها إلى التعبير الفني أو الرفاهية الذهنية بدلا من مبادئ البلاغة العقلية المقيدة بقواعد المنطق؛ حتى يصلوا إلى دقة التعبير وتوقي الالتباس. والنتيجة من هذه البلاغة العاطفية هي الضرر؛ لأنها تحدث لهم اتجاها نحو التزاويق، والبهارج فإذا طلب إليهم التفكير عجزوا. (2)
هذه البلاغة العاطفية قد حملت المعلمين على الإكبار من شأن الاقتباس حتى إننا كثيرا ما نرى في كتب الإنشاء التي يتداولها التلاميذ عناية المؤلفين بما يسمونه «الجمل المختارة»، وهي عبارات تحتوي كلمات لها بريق أو رنين أو ضجيج، والتلميذ الذي يكلف استظهارها إنما يفعل ذلك على حساب تفكيره. فكأننا نقول له لا تنظر إلى هذه الدنيا بروح الباحث المتفهم المفكر، وإنما استظهر العبارات المزخرفة وتكلف التزاويق؛ لأنها أحسن ما يمكنك أن تعبر به في الإنشاء.
Bilinmeyen sayfa