Bakaiyat
بكائيات: ست دمعات على نفس عربية
Türler
وضحكنا في تلك الليلة وبكينا. وعرفنا معنى الحب، ومعنى الجسد، ومعنى الخوف، ومعنى الأمل، وداعبناهم حتى طلع الصبح. وظللنا نداعبهم كلما ولد لنا ولد أو بنت. جاء أخواك أولا يا ابنتي. كم فرحنا بهما وكم دللتهما ولعبت معهما لعبة الفارس والحصان. كم تابعناهما وهما يكبران ويتصارعان على ركوب الخيل ورمي الرمح. وكم حاولت أيضا حين كبرت أن تهدئي نزواتهما وتعقدي الصلح بينهما دون فائدة. آه يا صغيرتي! كنت دائما أما صغيرة. نموت أمام أعيننا، ونما معك ضميرك الذي عذبك كثيرا، وسوف يعذبك يا ابنتي. وشعرت بأنك مسئولة عن أخويك، وعن أختك التي لا تكترث بشيء، إلا أن تنظر في المرأة، وتتأمل حسن ملامحها في ماء النبع وتنسج قصص الحب مع الصبية والخلان. إلا أنت يا حبيبتي. إلا أنت.
أنتيجونا :
أحبك يا أبي. أحبك يا أبي.
أوديب :
وهل كنت أعيش بغير الحب؟ هل كنت بغيرك أنت سأدعى بين أهالي طيبة بالأب؟ هذا هو أوديب الزوج الصالح، هذا هو أوديب الأب. في كل مكان أظهر فيه تطرق سمعي نفس الكلمات: أوديب الراعي. أوديب الأب. أوديب المنقذ من فم الموت. وكما تعلمت مني الحب علمتنيه. رحت أنثر بذوره في كل أرض. أذهب للزراع وأغرس معهم بذر الحب وبذر الحب. ينمو الزرع ويورق، يزدهر ويثمر، يجري حبا في حب أذهب للصناع، فأسألهم وأحاورهم، أعمل معهم، أنسج، أطرق، أنجر، أبني الحب على الحب، يأتي الشعراء إلي فأستقبلهم، أسمع منهم، وأردد معهم حبا في حب. تزدهر قلوب الناس وتثمر. تزدهر عقول الحكماء وتثمر. يرتفع بناء بعد بناء، يعمر بالحب وينبض بالحب وتولد فيه أطفال الحب. رفعت الديون عن الزراع، أخرجت المساجين من السجون. علمت الحراس أن يحرسوا المدينة لا أن يفترسوها كالذئاب. حرستهم من أنفسهم ومن الأعداء داخل المدينة وخارجها. أما اللصوص والمذنبون فوضعتهم أمام ضمير الشعب. وجعلت القانون هو السيد. وجعلت الكل يشارك في أمر الكل. والبحارة تشترك مع الربان. وسفينتنا تبحر آمنة في البحر الآمن ترسو في شط الأمن. وتوافد علينا الرسل من المدن الأخرى وهتفوا هذه طيبة أخرى. وأقبل الغرباء من البر والبحر، وتعجبوا: طيبة تحيا المعجزة الكبرى. حتى الشتاء خجل أن يقيم بيننا وحل علينا ربيع دائم . وكلما مررت بإنسان في الشارع، أو في المصنع، أو في الحقل، أو المسرح هتف سعيدا: أوديب الراعي، أوديب الأب. بل كان البعض ينادي: يا قديس. بفضلك صارت طيبة بستان الحب وحصن الأمن. بستان الحب وحصن الأمن، حتى كان صباح غابت فيه الشمس وضاع النور. كان الهمس يدور وراء ظهري، لكنني كنت أستقبل الغد، ولا أتلفت للأمس، أواجه النور ولا أهتم بالظلال التي تمد الخناجر في ظهري. كنت قد لاحظت أن أمك تكثر من التطلع من الشرفة في قلق. تجمعكم يا ابنتي وتضمكم وتقبلكم وتمنعكم من اللعب خارج القصر. وحين كنت أعود مرهقا في المساء أو أداعبكم وأرفعكم إلى صدري تحذرني من تدليلكم وهي تهمس خائفة: ماذا يخفي لكم القدر؟ ماذا يخفي لنا؟ أضحك من خوفها وأهزأ بقدرها فتقول: نمت الشعرات البيض على مفرقك وما زلت كما أنت. أضحك بصوت عال، وأسأل: من؟! فتجيب وهي تقبلكم وتأخذكم إلى الفراش: نزق وجريء وبريء أهوج، لا تدري ماذا يجري حولك أو خلفك. يزداد ضحكي وأقبلكم قبل النوم: أنا لا أنظر حولي أو خلفي. ألم تعرفيني بعد يا أمي وأم عيالي؟ تتجهم. ترسل نظرات قاتمة، تنكفئ على أحزان القلب وتسكت.
لكن الهمس بدأ يشتد يوما بعد يوم. وأبشع من الهمس أن يشيح الناس بوجوههم عنك، بدلا من أن يحيوك ويفرحوا بك. وذات ليلة فاجأنا فيها برد وعواصف وظلام لم نألفه طوال السنوات العشرين. كنت راجعا إلى القصر بعد جولتي اليومية في شوارع المدينة وأسواقها. لم أكن قد انتبهت إلى الفتور الذي قابلني به الناس. عزوته إلى الصقيع الذي حاصر البشر والبيوت والقطعان في الحقول، وتوقفت قليلا عند بوابة القصر لأخلع سترتي الثقيلة، وأسلمها للحارس. أشاح بوجهه بعيدا، تمتم بأصوات مبهمة.
حسبته يرد تحية المساء، فسألته:
أوديب :
ما لك يا ولدي؟ (الحارس: صمت.)
أوديب :
Bilinmeyen sayfa