Akdeniz: Bir Denizin Yazgısı
البحر المتوسط: مصاير بحر
Türler
هم قد خدعوا البحر المتوسط، وهم، لكي ينقلوا ذخائر الهند نحو الشمال من غير تغيير السفن، لم يحتاجوا إلى حفر البرزخ ما استطاعوا أن يحيطوا به. وذلك أن رمسيس الأكبر اتخذ قبل لسبس بثلاثة آلاف سنة طريقة بسيطة بساطة بيضة كولونبس، فأقام نظام قنوات محكم يصل دلتا النيل بطرف البحر الأحمر الشمالي فتستطيع السفينة في أربعة أيام أن تسير من بحر إلى بحر، مع أن هذا الأمر يتطلب الآن سفر يوم أو يومين في قناة السويس.
ولكن بما أن معنى البحر كان يفوت المصريين، وكان المصريون لا يفكرون في غير نهرهم المقدس، فقد خربت القناة، وتمضي سبعمائة سنة فيصلحها نخاوس مع هلاك 120000 عبد في هذا العمل.
وليس هذا هو الذي أزعج فرعون، وفرعون هذا كان في الحقيقة تواقا إلى حيازة أسطول، وتبلغ الدعابة في سنة 700 قبل الميلاد درجة يحمل معها سيدات البلاط سفنا صغيرة على شكل مشابك صدر، ولم لم يصر على ما تصوره؟ لم ينشأ هذا عن الرمل الذي لم ينفك يهبط، ولا عن موت عبيده، وإنما نشأ عن قول هاتف الغيب له: «أنت تقوم بعمل في سبيل البرابرة»، وهكذا يحمل الكهنة الماكرون الإله على الكلام حينما كان نصف العمل منجزا. ومثل هذا أمر النفق بين دوفر وكاله، وكون خوف إحدى الأمتين من غزو الأخرى هو الذي يحول دون صنعه. وهكذا كان يمكن في ذلك الحين جمع شتات نظام القنوات الذي كان يصل فرع دلتا النيل الشرقي بالبقعة القريبة من الإسماعيلية في أيامنا.
ويتحقق قول الهاتف، فلما مر قرن ظهر دارا الفارسي واستأنف أعمال القناة ليفتح مصر، ثم قطعها متبعا فكرة مهندسيه الوهمية القائلة إن القناة تغمر مصر بأسرها.
وكانت الملاحة في عرض البحر أمرا عرضيا لدى المصريين على الدوام، وما كان البحر ليجتذبهم بل كان يحميهم فقط، ويظهر أن إله النهر سحرهم فحصرهم في واديهم الخصيب بدلا من اجتذابهم نحو الخضم. وكان المصريون يشعرون بأنهم في مأمن، ولكن بما أنهم لم يوسعوا سلطانهم البحري، فقد خسروا سيادتهم حينما اكتشف الملاحة والتجارة شعب آخر، وبينما كانت عظمة مصر آخذة في الأفول رويدا رويدا حوالي سنة 1200 قبل الميلاد، ظهر الفنيقيون فلاح أن تجارتهم حلت محل المصريين سلميا.
وكان كثير مما هو ناقص في مصر يفيض لدى الفنيقيين، ونذكر خشب لبنان من ذلك، والواقع أنه لم يكن عند الفنيقيين نيل يبهرهم، وإذ ضغط الفنيقيين أقوام آخرون ودحروهم من الشرق، وإذ أقام هذا الشعب الصغير بأرض ضيقة يترجح عرضها بين فرسخين وعشرة فراسخ، فإنهم اضطروا إلى مجاورة البحر ليجدوا ما ضنت به عليهم أرض جدبية غير خصيبة. وهكذا صار الفنيقيون أول المستعمرين، ومن المحتمل أنهم من ذرية حام الذين أنبأت لعانية التوراة ببقائهم عبيدا إلى الأبد، ومع ذلك كانت قبيلة حام هي التي أقامت أقوى الدول، أقامت مصر وبابل وفنيقية وقرطاجة، وكانوا يسمون بلدهم كنعان؛ أي البلد الأدنى، وهذا هو الاسم الذي تدعوهم به التوراة، ولم يتكلم الأغارقة عن فنيقية؛ أي بلد البرفير
89
إلا بعد حين، ويدعوهم الرومان بالبونيين ثم بالقرطاجيين.
وكان يمكن أن يسموا برمائيين، وذلك لأن صور وتروادة كانتا أول مرافئ العالم الغربي، فينطلق منهما شعب بري إلى البحر للتجارة والفتح، وقد امتدحهم أشعيا وهيرودوتس، وهم، لما كانوا عليه من ازدهار أيام الإسكندر، يمكن أن يقدر دوامهم بألف سنة. وإذ كان الفنيقيون أقل شهرة من المصريين والأغارقة فإنهم يتخذون دليلا على أن الخلود يضمن بالدين والحكمة والفن؛ أي بأمور ثلاثة كانت مفقودة لدى الفنيقيين.
ولو كانت الفتوح والتجارة كافيتين لنيل المجد لظفر الفنيقيون بالمقام الأول، ولا عجب، فلم يقم أحد قبلهم مستعمرة كطرابلس وقرطاجة، ولم يكن لأحد قبلهم بحرية حربية. وهم قد اكتشفوا فن الملاحة وعلم الفلك والحساب من غير استعارة شيء من المصريين، وهم قد اخترعوا الزجاج ونسيج الكتان والصباغ الأرجواني، والأبجدية أيضا، وكانت ترد إليهم سلع العالم بأجمعه، فتأتيهم الفضة من طرسوس والذهب من طاشوز واللبان من بلاد العرب والعاج من الهند.
Bilinmeyen sayfa