166

Akdeniz: Bir Denizin Yazgısı

البحر المتوسط: مصاير بحر

Türler

ولما بلغت القومية أوجها كما في كل زمن اكتسبت شكلا أدبيا وصارت تطالب البابوية بأن تسمو فوق الأمم كسلطة روحية، وكان هذا يهدف إلى انتزاع أسس سلطتها الزمنية منها. وكان من يرمون أفينيون بكل وعيد وقول سيئ، مصرحين بأنه لا يجوز أن تدار الكنيسة من قبل دولة كبيرة واحدة، ينسون أن رومة الإيطالية، لا القدس، هي التي كانت تملكهم، وأن الإيطالية كانت لغة البابا على الدوام تقريبا. وكانت أصوات أعداء أفينيون تنم على تهديد، وكان العامل في سخط أمراء الألمان ينشأ عن حسدهم فرنسة ذات السلطان النامي فقط.

والشعراء والقديسون وحدهم هم الذين قالوا الحق كما في كل وقت، وبترارك، المبعد كالبابا، تغنى في أفينيون بمدائح عن وطنه الإيطالي، وكان يسير على غرار دانتي الذي عرف أن يلمس العالم بأسره معبرا عن جو المنفى الذي كان ينتج ألوف النوابغ في ذلك الحين. أجل، كان المنفى يمسك الشاعرين في وطنهما الصغير لبضع ساعات فقط، بيد أن شعورهما القومي بلغ الغاية من الوجد الشعري، وقد رفض بترارك أن يتوج ب «إكليل الشعر» في باريس راجيا نيل هذا الشرف في رومة.

وما أكثر ما وجب أن يكون التوتر السياسي حادا حتى يبذل الشاعران مثل تلك الحماسة في ميدان تنازع الأحزاب وميدان المجادلات! وعلى ما كان من التجاء بترارك إلى الطبيعة لم ينفك عن التفكير في الرجال، ولم يوح صعوده الأول المشهور في أحد الجبال بأي عمل ذي بال، ويبدو لنا دانتي على صورة جانبية ذات ذهنية تجعلنا نفكر في نسر، وعلى العكس تشبه ملامح بترارك بملامح امرأة بين عمرين، وذلك في الصورة التي رسم بها لابسا حلة كهنوتية فتركها لنا صديقه. وقد عاش ذانك الشاعران، كالقسوس، من دخل الكنيسة كما كان هوراس وفرجيل قد عاشا من هبات أغسطس وميسين، وقد انساقا مع هرج الحوادث أيضا فيرى لمتفنني زماننا بعض السلوان في هذا الأمر، وقد حل بوكاس المعاصر لدانتي وبترارك، والذي ولد مثلهما من أبوين فلورنسيين، ولكن بباريس، معضلة زمانه بما اتفق له من تجربة رائعة في الحياة، وهو، على خلاف دانتي وبترارك لم يعش في بلد أجنبي ولم يمت فيه، وهو لم ينغص بهجة عيشه بتدخلات نبوية في تاريخ عصره الذي كون بالسيف لا بالأفكار، وهو، حينما وضع كتاب «الأيام العشرة» ابنا للخامسة والثلاثين من سنيه، قد جمع بيد رشيقة مائة قصة كان رواها هو أو غيره ممن ظهر قبله، وكل شيء كان يمكنه أن يهزه ولكن لم يسطع شيء أن يزلزله، ويشترك في موكب الناس الهزلي الذي يدعى التاريخ إذن، ويصف المهزلة البشرية كبلزاك، ولا يزال أثره مدار تسلية لنا، ويشتمل أثره، فضلا عن ذلك، على إرشادات لشباب العاشقين يعرفون بها كيف يوجهون مغامراتهم.

وبجانب هذا المستمتع كانت تعيش امرأة قديسة في الدور نفسه وفي مدينة فلورنسة نفسها، كانت تعيش كترينة السيانية (1347-1380).

وكترينة هذه هي التي كانت ذات طفولة طريفة بين الكترينات الست القديسات، وكانت من أحدث التوائم بين خمسة وعشرين ولدا لزوجين من الصناع، وتعد كترينة السيانية فذة بين ذوات الفضل، وما كان من هزال الأم، وضنى البنت على ما يحتمل، وما كان من فقر الأسرة وبؤسها يلوح أنه زاد رؤى صبا كترينة اشتدادا فيمازجها شوق عظيم إلى حياة الدير، ولما ألم المرض بالأسرة فمات الأب دلت على نشاط مفاجئ مذكرة بإناث العصر، فأبدت كبير نبوغ في الخطابة، وموهبة في الإقناع على الخصوص، وقد حاولت أن تسوي من ديرها جميع الخصومات الاجتماعية والسياسية، وهي لم تعتم أن دعيت إلى حمل بيزة على الاشتراك في حلف ضد البابا.

ويلتقي مظهرا رسالتها التاريخية في دورة حياتها تلك، وقد كانت نشيطة سياسيا، ولكنها لم تنفك تكون في وجد، وهي تفاجأ ذات أحد في الكنيسة برؤيتها ندوب

18

يسوع على يديها ورجليها وقلبها. ويثير هذا حمية الدومينيكان كثيرا لما كان من وقف تلك الندوب على سان فرنسوا، ومن القول بأنها لا تحدث عند غير الفرنسيسكان، ويبلغ هذا التحاسد بين المنظمتين من إثارة العالم ما حصر معه أحد البابوات، وقد كان من الفرنسيسكان سابقا، مثل هذه المعجزات بمنظمة هؤلاء.

وتبلغ الرسالة الثنائية التي قامت بها هذه القديسة المسالمة أوجها في أفينيون، ويفوض إلى هذه الفتاة، البالغة من العمر ثمانية وعشرين عاما، أن تقنع البابا بالرجوع إلى رومة، ويخادعها الدبلميون من فورها كما خادعوا عذراء أورليان

19

Bilinmeyen sayfa