مَنْ لِهَذَا الْفَنِّ أَصَّلَ، وَإِلَى حَقِيقَتِهِ وَصَّلَ، فَكَادَ يَعُودُ أَمْرُهُ إلَى الْأَوَّلِ، وَتَذْهَبُ عَنْهُ بَهْجَةُ الْمُعَوَّلِ، فَيَقُولُونَ: خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ، أَوْ وِفَاقًا لِلْجُبَّائِيِّ، وَتَكُونُ لِلشَّافِعِيِّ مَنْصُوصَةً، وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ بِالِاعْتِنَاءِ مَخْصُوصَةً، وَفَاتَهُمْ مِنْ كَلَامِ السَّابِقِينَ عِبَارَاتٌ رَائِقَةٌ، وَتَقْرِيرَاتٌ فَائِقَةٌ، وَنُقُولٌ غَرِيبَةٌ، وَمَبَاحِثُ عَجِيبَةٌ.
[مَنْهَجُ الْمُؤَلِّفِ وَمَصَادِرُهُ]
وَقَدْ اجْتَمَعَ عِنْدِي بِحَمْدِ اللَّهِ مِنْ مُصَنَّفَاتِ الْأَقْدَمِينَ فِي هَذَا الْفَنِّ مَا يَرْبُو عَلَى الْمِئِينَ، وَمَا بَرِحَتْ لِي هِمَّةٌ تَهُمُّ فِي جَمْعِ أَشْتَاتِ كَلِمَاتِهِمْ وَتَجُولُ، وَمِنْ دُونِهَا عَوَائِقُ الْحَالِ تَحُولُ، إلَى أَنْ مَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِنَيْلِ الْمُرَادِ، وَأَمَدَّ بِلُطْفِهِ بِكَثِيرٍ مِنْ الْمَوَادِّ، فَمَخَضْتُ زُبْدَ كُتُبِ الْقُدَمَاءِ، وَوَرَدْتُ شَرَائِعَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَجَمَعْت مَا انْتَهَى إلَيَّ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، وَنَسَجْت عَلَى مِنْوَالِهِمْ، وَفَتَحْت مِنْهُ مَا كَانَ مُقْفَلًا، وَفَصَّلْت مَا كَانَ مُجْمَلًا، بِعِبَارَةٍ تُسْتَعْذَبُ، وَإِشَارَةٌ لَا تُسْتَصْعَبُ. وَزِدْت فِي هَذَا الْفَنِّ مِنْ الْمَسَائِلِ مَا يُنِيفُ عَلَى الْأُلُوفِ، وَوَلَّدْت مِنْ الْغَرَائِبِ غَيْرَ الْمَأْلُوفِ، وَرَدَدْت كُلَّ فَرْعٍ إلَى أَصْلِهِ وَشَكْلٍ قَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَكْلِهِ، وَأَتَيْت فِيهِ بِمَا لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ، وَجَمَعْت شَوَارِدَهُ الْمُتَفَرِّقَاتِ عَلَيْهِ بِمَا يُقْضَى مِنْهُ الْعَجَبُ، وَإِنَّ اللَّهَ يَهَبُ لِعِبَادِهِ مَا يَشَاءُ أَنْ يَهَبَ، وَأَنْظِمُ فِيهِ
1 / 6