190

Bahr Muhit

البحر المحيط في أصول الفقه

Yayıncı

دار الكتبي

Baskı Numarası

الأولى

Yayın Yılı

1414 AH

Yayın Yeri

القاهرة

تَلَازُمٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِدَلِيلِ ﴿ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٣١] أَيْ بِقَبِيحِ فِعْلِهِمْ ﴿وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ﴾ [الأنعام: ١٣١] أَيْ: لَمْ يَأْتِهِمْ الرُّسُلُ وَالشَّرَائِعُ، وَمِثْلُهَا ﴿وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [القصص: ٤٧] أَيْ: مِنْ الْقَبَائِحِ ﴿فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا﴾ [القصص: ٤٧] الْآيَةَ، وَأَمَّا الْآيَاتُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ شَرْعِيٌّ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بِقَوْلِهِ ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ [الإسراء: ١٥] فَأَخْبَرَنَا بِأَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَقَالَ تَعَالَى ﴿رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥] فَلَوْ كَانَ لَهُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ لَمَا قَالَ: إنَّمَا أَبْعَثُ الرُّسُلَ لِأَقْطَعَ بِهَا حُجَّةَ الْمُحْتَجِّ.
إذَا تَلَخَّصَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَلَهُ مَآخِذُ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْحُسْنَ عِنْدَهُمْ صِفَةٌ قَامَتْ بِهِ أَوْجَبَتْ كَوْنَهُ حَسَنًا، وَالْقُبْحَ صِفَةٌ قَامَتْ بِهِ أَوْجَبَتْ كَوْنَهُ قَبِيحًا حَمْلًا لِلْأَفْعَالِ عَلَى الْأَجْسَامِ. فَإِنَّ الْحُسْنَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِهَا وَكَذَلِكَ الْقُبْحُ. وَعِنْدَنَا الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ إنَّمَا هُوَ صِفَةٌ نِسْبِيَّةٌ إضَافِيَّةٌ حَاصِلَةٌ بَيْنَ الْفِعْلِ وَاقْتِضَاءِ الشَّرْعِ إيجَادَهُ أَوْ الْكَفَّ عَنْهُ. فَإِذَا قَالَ الشَّارِعُ: صَلِّ. قُلْنَا: الصَّلَاةُ حَسَنَةٌ، وَإِذَا قَالَ: لَا تَزْنِ: قُلْنَا: الزِّنَى قَبِيحٌ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ صِفَتَانِ لِلْفِعْلِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الصِّفَاتِ أَعْرَاضٌ وَالْفِعْلَ عَرَضٌ وَالْعَرَضَ لَا يَقُومُ بِالْعَرَضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَقُومُ بِالْجَوَاهِرِ. فَكَيْفَ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ؟ الثَّانِي: أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ عِنْدَهُمْ مُقَرِّرًا لِحُكْمِ الْعَقْلِ وَمُؤَكِّدًا لَهُ. وَعِنْدَنَا وَرَدَ الشَّرْعُ كَاسْمِهِ شَارِعًا لِلْأَحْكَامِ ابْتِدَاءً.

1 / 192