وفي آخر شهر رجب وصلت رسالة من السيد أحمد بن إبراهيم المؤيدي الملقب ابن حورية، من أولها قوله: وبعد فيقول العبد الفقير إلى مولاه الهادي إلى الحق المبين أمير المؤمنين أحمد بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد بن عز الدين بن علي بن الحسين بن أمير المؤمنين عز الدين بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن المؤيد وفقه الله، حتى قال: ومن دين الله الواجب وحقه الواضح الواجب أن أوجب على الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ينصبوا إماما عادلا لإقامة الحدود والجهاد والجمعات، وتأمين الطرقات، ودفع المظالم من غير فرق بين قوي وضعيف، ووضع الحقوق في مواضعها في الثمانية الأصناف، وشرط الفقير أن يكون غير هاشمي، والتسوية، وفي نهج البلاغة: وجوب القسم بالسوية، ثم قال: ولما رأى رسم الدين قد عفى، وعلم أن هؤلاء الذين دعوا مع فرض الكمال واجتماع الشروط المعتبرة فيهم ظاهر الاختلال، لا يسيرون إلا هذه السيرة، ولا يميلون إلا نحو هذه العادة الماضية التي تخاف في السكوت عليها في مضي الأخذ بالجريرة، فإنا رأينا المسكين محروما،والضعيف مدحوضا ومظلوما، والفقراء من بني هاشم وغيرهم لا يجدون في أكثر الأوقات ما يسد جوعهم ويستر عورتهم، وصارت حصتهم من الفيء والمصالح دولا، وقد تكلمنا في الماضي فلم يلتفت إلى أقوالنا[142/أ] ولم يعول على شيء من أعمالنا، كذلك رأينا الأخذ من الرعية غير متوقف على كتاب ولا سنة، قال: فلما رأينا الأمر هكذا وجب عليه القيام بأمر الله، والدعاء إلي أو من هو أصلح علما وعملا وزهدا وورعا، وبقية الشروط المعتبرة، إلى آخر ما ذكره، مما محصوله هذا ونحوه. وقال: حررت تاسع عشر شهر رجب الأصب سنة سبع وثمانين وألف. فلم يرفع لهذه الرسالة أحد رأسا، ولا تلقاها أحد بقبول، ولا ظهر لها عند الناس نفوذ؛ لأن صاحبها كان مناقضا لما فيها، فإنه ما زال يفد إلى الحضرة المتوكلية مسترفدا وطالبا من الحطام المالية والكسوات الهندية كل عام ويسير بها إلى بلاده، وكان مع ذلك مقطعا إقطاع أبيه من قبله بلاد العشة وما إليها في سباره وأصحابه، وهي من عين الزكاة التي نهى عنها وقال بتحريمها، وناقض ما ذكره من الاستيثار والمساواة، فإنه استأثر بإقطاعه عن غيره من فقراء بني هاشم وغيره من الفقراء من أهل جهته، فكان أمره لنفسه بالمعروف ونهيه عن منكره أقدم وأحرى، فإنه يقول الله تعالى: { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} ومرفوعات اليمن أكثرها زكاة قد حصلت البلوى بها لأكثر الخلف من الأغنياء وبني هاشم، وعزة الشروط في الفقراء الجائعين، ولا يخلو منهم من يصير إليه منها ما يصير، على أن المطالب التي ليست بزكاة كثيرة تصير إلى بعض بني هاشم والأغنياء منها جانبا، وهم في ذلك وغيرهم على سوى.
وأما الأخذ من الرعية بالمطالب الكثيرة فكلامه حق، خصوصا باليمن الأسفل مما هو لا شك من متنكر على الماضي والمستقبل، وأما القسم بالسوية ففيه الخلاف بين العلماء.
[142/ب] وهذه الرسالة سببها لما بلغه أن عقدهم كان مشروطا للرضا والصالح لها ففرح السيد بهذا الشرط، وكان ذريعة له في إقامة الحجة والفرض، وقالت نفسه: عسى يتأتى هذا، وكذلك قاسم بن المؤيد صار يحتج عليهم بهذا، والأمر فيه اختلاف كثير واضطراب شديد، الكل منهم بين طرفي النقيض، والحال بينهم العجيب المستفيض، مما يتعجب منه.
وفي هذه المدة التي مرت بعد موت المتوكل من هؤلاء السادة المتعارضين لم يرفع أحد منهم مظلمة ولا مطلبه زائدة، ولا عزل وال جائر، ولا إصلاح خلل حاصل[143/أ] بل الأمور على ما كانت عليه في العدين وبلاد جبل صبر، وبلاد برع وقعار من الزوايد التي زادها الولاة الذين كان شكوهم، والولاة أولئك أبقوهم.
Sayfa 477