ثم إن خسرو باشا أمر بإطلاق المدافع على الثائرين حتى خرب جزأ عظيما | من القاهرة ، ولما علم أركان حرب الوالي المدعو طاهر باشا بذلك نزل من | القلعة ليتوسط بين الفريقين ، فاتهمه الوالي بالإتحاد مع العصاة فاغتاظ طاهر باشا | ومال مع الجند وحارب الوالي إلى أن ألزمه بالفرار إلى المنصورة ثم انتقل إلى | دمياط وتحصن بها فاتخذ طاهر باشا هربه فرصة للحصول على الولاية ، وجمع | أعيان البلد وعلماءها وطلب منها أن يختاروه واليا على مصر حتى يعين الباب | العالي خلفا لخسرو باشا ، فأقره المجلس على ذلك ، لكنه لم يلبث الجند أن عصاه | خصوصا الإنكشارية لعدم صرفه مرتباتهم وصرف مرتبات الأرنؤد ليس إلا ، | فحاصروه في سرايه في يوم 25 مايو سنة 1803 وأرسلو إليه اثنين من أغواتهم | ليرفعا إليه شكواهم فلم يستعمل السياسة معهما ، بل نهرهما على عصيانهما | وطلب منهما أن يكونا مطيعين لأوامره فلم يرضيا بذلك واشتد الأمر بينه | وبينهما إلى أن جرد أحدهما سيفه وحز رأسه وألقاها من النافذة وكانت مدة | ولايته ستا وعشرين يوما . | | وبعد قتله رغب الإنكشارية في تولية أحمد باشا أحد أمراء الدولة وكان | موجودا بمصر أثناء توجهة للمدينة المنورة حيث عين واليا ، فلم يقبل محمد علي | باشا هذا التعيين بل صعد إلى القلعة ومعه آلاف من الأرنؤد وأراد أن | يقاوم الإنكشارية ولكنه لما علم أنه لا يقدر على المقاومة كاتب عثمان بيك | البرديسي المقيم بالصعيد وغيره من أمراء المماليك بأن يساعدوه على طرد | الإنكشارية ويرد مصر إلى حكمهم المطلق كما كانت عليه ، فاغتروا بوعده | وصاروا يأتون القاهرة أفواجا ، حتى استجمع محمد علي ياشا من القوة ما يقاوم | بها الإنكشارية وزيادة فنزل من القلعة وانضم معهم ثم تفرقوا في أنحاء القاهرة | وأحدقوا بمنزل أحمد باشا المذكور وهددوه وخيروه بين أمرين : الخروج من مصر | أو القتل ، فامتثل وخرج ثم نهبت العساكر داره .
ثم حول محمد على فكرته إلى الفتك بالإنكشارية خيفة أن يثوروا عليه كما | فعلوا مع طاهر باشا فأوعز إلى الأرنؤد بذلك فانقضوا عليهم كالسيل المنهمر | وسلبوا أموالهم وقتلوا أعيانهم ، فاجتمع الباقون منهم بمصر القديمة وعزموا على | التوجه إلى الشام من طريق الصحراء فهجم عليهم الأرنؤد وأعلموا فيهم | السيف حتى لم يبق إلا من اختفى منهم ، ففتشوا عليهم بالبيوت وغيرها ثم أطالوا | أيديهم إلى الأهالي وتعدوا عليهم بالأذى وتفرقوا في النواحي وأكثروا من النهب | خصوصا في الوجه البحري .
وكان إذ ذاك محمد خسرو باشا مقيما بثغر دمياط يقرر على أهلها ومن | جاورهم الأموال الباهظة ويسومهم سوء العذاب ألوانا فتوجه محمد علي باشا | وعثمان بك البرديسي لمقاتلته ، فحارباه وأسراه بعد أن هزما من معه في 14 | ربيع الأول سنة 1218 وأرسلاه إلى مصر في سجن القلعة .
Sayfa 35