99

Badr Munir

البدر المنير في معرفة الله العلي الكبير

القسم الثاني: قوله تعالى: {أو من وراء حجاب}(1) وذلك كلامه تعالى لأنبيائه عليهم السلام محمد المصطفى ليلة الإسراء وغيرها، وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام بغير واسطة ملك، ومن ذلك كلامه تعالى لأهل الجنة فيها، وكلامه تعالى لمريم -عليها السلام- وغيرها، وذلك لا يفيد نبوة في غير الأنبياء لما ذكرنا أولا، فأراد بقوله تعالى: {من وراء حجاب} استعارة منه تعالى لنفسه ولكلامه المكان فالمتكلم المستور بحجاب لكونه تعالى يتكلم فيسمع كلامه تعالى ويعرفه من أراد تعالى أن يكلمه به من نبي أو غيره ولا تراه مع تحقق الكلام منه -تعالى- بمعجزة آية منه تعالى أو بالضرورة من غير حيز جهة، فأشبهت تلك الحالة حالة الملوك الذين يتكلمون من وراء الحجب فيسمع كلامهم ويتحقق كما يحيون ولا يرى السامع للكلام أشخاصهم، فلما اشتبه الحالان استعار -تعالى- لتلك المشابهة الحجاب تصوير للحال وإلا فتعالى الله من الحاجة إلى أن تحويه الأمكنة المحجوبة، أو يحويه الحجب والحدود، إذ لا تحوي وتحجب وتحيط إلا بالأجسام وليس -تعالى- بجسم -تعالى عن ذلك- وهو تعالى المحيط بالأشياء [28أ] جميعا لا يغفل عنها ولا يسهو منها فلا يداخلها ولا يبتعد عنها ولا يشبهها وهو البائن عنها بذاته العظمى، ومن هذين القبيلين الوحي إلى الملائكة المقربين.

Sayfa 129