المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم. قال أبو الوليد إسماعيل بن محمد بن عامر رحمة الله تعالى ورضوانه عليه: أما بعد حمد الله على فضله المتناهي، والصلاة والسلام على خاتم رسله وناهج سبله، فإن أحق الأشياء بالتأليف، وأولاها بالتصنيف ما غفل عنه المؤلفون، ولم يعن به المصنفون مما تأنس النفوس إليه، وتلقاه بالحرص عليه. وفصل الربيع آرج وأبهج، وآنس وأنفس، وأبدع وأرفع من أن أحد حسن ذاته أو أعد بديع صفاته. وحسبي بما يعلم الكل منها، ويخبر به الجميع عنها، شهيدًا لما نقلته، دليلًا على ما قلته، وهو مع هذه الصفات الرائقة، والسمات الشائقة، والآلات الفائقة، لم يعن بتأليفه أحد، ولا انفرد لتصنيفه منفرد.
قال مؤلفه أبو الوليد رحمة الله عليه: فلما رأيت ذلك جمعت هذا الكتاب مضمنًا ذلك الباب، ولست أودعه إلا ما أذكره لأهل الأندلس خاصة في هذا المعنى، إذ أوصافهم لم تتكرر على الأسماع، ولا كثر امتزاجها بالطباع، فتردها شيقة، وترودها تيقة، وإنما ذلك لتضييع أهل بلدهم لأكثرها، وغفلتهم عن جلها إنكارًا لفضلها مدة بقاء أهلها، فإذا انقرضوا تأسفوا بقدر ما كانوا تعسفوا، وحينئذ لا يجدون إلا قليلًا يغيب في كثيرها، وثمادًا يفيض عند بحورها، ولعمري إن هذه العلة مما صححت استغرابها، وأكدت استحسانها واستعذابها.
وأما أشعار المشرق، فقد كثر الوقوف عليها، والنظر إليها، حتى ما تميل نحوها النفوس، ولا يروقها منها العلق النفيس، مع أني أستغني عنها ولا أحوج إلى ذكرها بما أذكره للأندلسيين من النثر المبتدع، والنظم المخترع، وأكثر ذلك لأهل عصري إذ لم تغب نوادرهم عن ذكري.
وأما من بعد عصره، وكم فيهم من جليل قدره، فقلما أوردت لهم شيئًا للعلة التي تقدم ذكري لها من إهمالها وتضييعها.
ولأهل المشرق في تأليف أشعار شعرائهم، وتدوين أخبار علمائهم، الفضل علينا والسبق لنا، حتى لقد يجمعون خشينها مع حسنها، ويضيفون لحنها إلى لحنها، لا قلة ميز بها بل تحرجًا عن تركها. ولو جرى أهل الأندلس على تلك الطريقة لأوردت على الحقيقة أمثال ما أوردت وأضعاف ما اجتلبت. لكن أهل المشرق على تأليفهم لأشعارهم، وتثقيفهم لأخبارهم مذ تكلمت العرب بكلامها، وشغلت بنثرها ونظامها إلى هلم جرا..، لا يجدون لأنفسهم من التشبيهات في هذه الموصوفات ما وجدته لأهل بلدي على كثرة ما سقط منها عن يدي بالغفلة التي ذكرتها عنها، وقلة التهمم بها، وعلى قرب عهد الأندلس بمنتحلي الإسلام، فكيف بمنتحلي الكلام، ولو تأخروا في إدراك المشرقيين في كل نحو وغرض، وتقهقروا عن لحاقهم في كل جوهر وعرض، لكانوا أحقاء بالتأخر، أحرياء بالتقهقر. فكيف يرى فضلهم وقد سبقوا في أحسن المعاني مجتلى، وأطيبها مجتنى، وهو الباب الذي تضمنه هذا الكتاب، فلهم فيه من الاختراع الفائق، والابتداع الرائق، وحسن التمثيل والتشبيه، ما لا يقوم أولئك مقامهم فيه. والفضل في هذا الصنع الجميل لذي الوزارتين القاضي الجليل المنقطع المثيل، ولابنه الحاجب الشهاب الثاقب نثره عباد، ورحمة الله على العباد مولي وسيدي أبقاهما الله سترًا علي. فهما اللذان أقامت مقعد الهمم يد اهتبالهما. وأمطرت أرض الفطن سماء أفضالهما، فدرت الدرر من تلك الفكر التي يسعيان لتحصين مرادهما وتحسين مرادهما.
1 / 1
وتأمل أيها الناظر في كتابي تأمل اليقظ المتقد، والمميز المنتقد تر أغرب التشبيهات، وأعجب الصفات، وأبرع الأبيات، وأبدع الكلمات لمن كان حواليهما من مسند إليهما، معول عليهما، ومتصرف بين أيديهما، ومتورك على أياديهما. وإنما ذلك لترادف إحسانهما، وتعاقب امتنانهما وقديمًا قيل: اللها تفتح اللها، وبقدر ذلك أعملوا الفكر، وأنعموا النظر، فنظموا في جودهما دررًا من الكلام، لا تسلك على سلكها غير الأيام، وكسوا جميل فعلهما جملًا من الجمال تبقى بقاء الليالي. فلله درهما من ملكين نفقا سوق الأدب الكاسدة، وأصلحا حال العلم الفاسدة فكثر المنتحلون لها والمتحلون بها، ولولاهما - أطال الله بقاءهما وأدام اعتلاءهما - ما انفردت لهذا التأليف، ولا شغلت فكري بهذا التصنيف، ولا منيت نفسي به، ولا وثقت بها في ترتيبه. لكن بفضلهما الجزيل، وفعلهما الجميل، لاح السبيل، وعلمت كيف أقول، فجزاهما الله عما يوليان من الأيادي الحسان التي تداركتنا وقد بلغت القلوب حناجرها، وشحذت الخطوب خناجرها، وكشرت النوب عن أنيابها، وأدالت الأيام إعتابها بعتابها جزاء يجوز رضاهما، بل يجوز مناهما، وبعد العجز عن استيعاب جزيل إفضالهما، واستكمال جميل إقبالهما، فنعود إلى ما وعدنا به، ونجتلب ما بيننا على اجتلابه، وبالله ذي الجلال والإكرام العون على البدء والتمام.
1 / 2
الفصل الأول
القطع التي لم يسم فيها نور، ولا قصد بوصفها منه نوع قال أبو الوليد: من المستحسن في هذا الباب قول أبي عمر أحمد بن عبد ربه: [البسيط]
وروضة عقدت أيدي الربيع بها ... نورا بنور وتزويجا بتزويج
بملقح من سواريها وملقحة ... وناتج من غواديها ومنتوج
توشحت بملاة غير ملحمة ... من نورها ورداء غير منسوج
فألبست حلل الموشي زهرتها ... وجللتها بأنماط الديابيج
سواريها: سحائبها ليلا، من السرى؛ وهو سير الليل. وغواديها: الآتية في الغداة. ومن غريب الوصف في عجيب الرصف قول أبي عمر أحمد بن فرج الجياني: [الكامل]
أما الربيع فقد أراك حدائقا ... لبست بها الأيام وشيا رائقا
فكأنما تجتر أذيال الصبا ... فيها البروق أزهارا وشقائقا
متقسمات بينها وسم الهوى ... تحكي المشوق تارة والشائقا
من قانيء خجل وأصفر مظهر ... للوجد كالمعشوق فاجا العاشقا
وكأنما نثرت على أجفانها ... غر السحائب لؤلؤًا متناسقا
فإذا الصبا لعبت به في روضة ... ذكر الفراق بها بكى وتعانقا
شبه اضطرب النوار بالرياح وقرب بعضها من بعض، وسقوط الندى منها بذلك الاضطراب بالتعانق عند الفراق والبكى من أجله. ولأبي عمر أيضا فيه قطعة غربية التشبيه وهي:
يا غيم أكبر حاجتي ... سقي الحمى إن كنت تسعف
رشف صداه فطالما ... روى الصدى فيه الترشف
واخلع عليه من الربي ... ع ووشيه برادا مصنف
حتى ترى أنواره ... وكأنها أعشار مصحف
وتخال مرفض الندى ... في روضه شكلا وأحرف
وكتب عمر بن هشام إلى صديق له يستدعيه في رأس الربيع من جنة له فأحسن إحسانا يقرب على من تأمله ويبعد على من رامه: "كتبت والأرض تستطير باستطارة شوقنا إليك، وتهم أن تستقل بنا نحوك، إذ صرنا بروضة استعارت لون السماء بخضرتها، وزهر نجومها بأنوارها، وبدور تمها بأقمارها. فقد افترشنا ثوب السماء، وحوينا زهرة الدنيا، وبيننا متطلعة إليك بأعناق الغزلان، ولسمع حسك مصيخة الآذان، فإن عجلت قهقهت طربا، وتبودرت نخبا، وإن أبطأت أظلم في أعيننا النور، وكادت الأرض بنا تمور، والسلام".قال أبو الوليد: في آخر هذه الرسالة من وصف الكؤوس، وسرور النفوس بمن خوطبت فيها، وكوتب بها ما لم أعد به، ولا قصدت قصد ذكره، لكني لو فصلته منها لأخللت بها، فمن الأشياء أشياء يزداد حسنها بما وصلت به، وقرنت معه، وربما أن في كتابي مثل هذا. فمن رآه فليعلم أني إنما أسعى في استكمال الحديث واستيعاب الخبر لئلا أخل بما ابتدئ به بالنقص منه، ولست أفعل هذا إلا فيما يكون تبعا لما أقصد إلى جمعه، وأشغل بتأليفه. ولذي الوزارتين القاضي أدام الله عزه ووصل حرزه_قطعه نثر، بل نفثة سحر، جاوب بها أبا عامر بن أبي عامر_رحمه الله_ وقت كونه بإشبيلية وقد كتب إليه يسأله إباحة الخروج له إلى بعض ضياعه للتنزه في فصل الربيع. والقطعة بعد صدرها: "وقفت على كتابك_أكرم به_وفهمت ما تضمنه، وهي أوقات التنزه، وأحيان التفرج، فقد أشرقت الأرض، وزهي الروض، وأقبل فصل الربيع بكل حسن بديع، وأفصحت الطير بعد عجمتها، وأبدت النواوير غرائب زهرتها، وكست الورق شجرها، وغطت الزروع مدرها، فلست ترى إلا خضرة تسطع، وثمارا تينع، تجلو الصدى من الكبد الحرى، وتزيح الأسى عن النفوس المرضى، وقد قال ﵇: "روحوا الأنفس فإنها تصدأ كما يصدأ الحديد". وهذا كله بما من الله به الغيث المغيث، فله الشكر واصبا، والحمد دائما على آلائه التي تترى، ونعمه التي لا تحصى، وهذا فيض بديهته، وعفو سجيته، ولو روى لكان على أرفع على أن لا أرفع، وأبدع على أن لا أبدع، حرس الله حوباءه، وصان ذكاؤه".ومن البديع في وصف الربيع ما جاء به أبو عمر يوسف بن هارون الرمادي في قصيد يمدح به الوزير بن بلشر، فقال بعد صدر منه: [الطويل]
على روضة قامت لنا بدرانك ... وقام لنا فيها الذباب بمسمع
إذا ما شربنا كأسنا صب فضلها ... على فضل كأس المسمع المتخلع
كأن السحاب الجون أعرس بالثرى ... فلاح شوار الأرض في كل موضع
رياض يضاحكن الغزالة بعد ما ... بكت فوقها عين السماء بأربع
1 / 1
كأن سرور الأرض حزن سحابها ... إذا ما بكت لاحت لنا في تصنع
حبائب لا يسمحن إلا بلحظة ... وشمة أنف للمحب الممتع
بدائع ما أبدى الوزير بنانه ... إلى صكه إلا أتانا بأبدع
شبه خط ممدوحه بالربيع في حسن منظره، وجمال مخبره، ودخوله إلى المدح في هذا الموضع مفضل له مستحسن منه. والغزالة، الشمس. يقال: طلعت الغزالة ولا يقال: غابت الغزالة. وقال الأصمعي: الغزالة: وقت طلوع الشمس، وليست الشمس. والجون من الأضداد يكون الأبيض والأسود. وهو هاهنا الأسود. والتصنع: التحسن والتزين. ومن حسن ماله في هذا المعنى قوله في قصيدة يمدح بها العارض أحمد بن سعد بعد وصف سحابة ورعد وبرق وهو: [الرمل]
كست الأرض بساطا رائقا ... بطنها سداة والأرض نسج
أخرجت أسرارها إذ أخرجت ... رب سر أحرج الصدر خرج
كمحب ضاق وجدا صدره ... فبدا ما كان في الصدر اختلج
صاح إن يبهجك وجه حسن ... فليكن وجه الربيع المبتهج
أعرس الروض ومن قيناته ... أم من خالف في الاسم السمج
تتغنى أولا في رجز ... فإذا امتدت تغني في الهزج
ثم دخل إلى المدح كدخوله المتقدم فقال:
وكأن الروض من خط أبي ... بكر العارض وشي ودبج
قيناته: مغنياته، واحدتهن قينة. و"من خالف في الاسم السمج" أراد أم الحسن. لأن الحسن ضد السمج. ولأبي عمر أيضا قطعة حسنة يصف فيها الربيع من قصيد مطول بديع التشبيهات، بديع الصفات، يمدح به أبا علي البغدادي_رحمه الله_والقطعة بعد صدر من القصيد: [الكامل]
في إثرها وقعت ملاحم تجتلي الت ... تأريخ بين سحائب ومحول
فكأنها جيش بدهم خيول ... غاز إلى جيش بشهب خيول
قامت رواعدها بدق طبول ... في حربها وبروقها بنصول
ولت جنود المحل ثم تحصنت ... في قلب كل متيم معذول
بكت السحاب على الرياض فحسنت ... منها غروسا من دموع ثكول
فكأنها والطل يشرق فوقها ... وشي يحاك بلؤلؤ مفصول
غلبت على شمس النهار فألبست ... منها ظهيرتها ثياب أصيل
فنزلت في فرش الرياض ولم يكن ... ليحوزها مثلي بغير نزول
سلب العمامة بيننا متعمم ... لطمت سوالفه يدا مغلول
فوضعت في فمه فمي فعل الذي ... يهوى بريق حبيبه المعسول
غنى الطراة من الذباب لنا بها ... طربا فهجن شمائلا بشمول
روض تعاهده السحاب كأنه ... متعاهد من علم إسماعيل
قوله: "فكأنها جيش بدهم خيول"..البيت، شبه السحاب في اسودادها بالخيل الدهم، والأرض في ابيضاضها قبل النبات بالخيول الشهب. وهذا من أبدع ما استعير لهذا الموضع، ومما حسنه ذكر الغزو بينهما، وقوله: "سلب العمامة بيننا متعمم" البيت، أراد ظرف الخمر الذي تسميه العامة الكوز. شبه مقبضه في عنقه بيدي مغلول. وعمامته: فدامه، وهو من مخترعاته الطريفة، ومبتدعاته الشريفة. ومما حسن له_رحمه الله_في هذا المعنى قطعة من قصيدة شأى فيها من تقدم يمدح بها ابن القرشية وهو عبد العزيز بن المنذر بن عبد الرحمن الناصر لدين الله بعد أبيات غربية في صفات عجيبة وهي: [الطويل]
تأمل بإثر الغيم من زهرة الثرى ... حياة عيون متن قبل التنعم
كأن الربيع الطلق أقبل مهديا ... بطلعة معشوق إلى عين مغرم
تعجبت من غوص الحيا في حشى الثرى ... فأمشى الذي فيه ولم يتكلم
كأن الذي يسقي الثرى صرف قهوة ... تنم عليه بالضمير المكتم
أرى حسنا في صفحة قد تغيرت ... كبشر بدا في الوجه بعد التهجم
ألا يا سماء الأرض أعطيت بهجة ... تطالعنا منها بوجه مقسم
وإن قالت الأرض المنعم أرضها ... لي الفضل في فخري عليك فسلمي
فخضرة ما فيها يفوقك خضرة ... ونوارها فيها ثواقب أنجم
وإن جئتها بالشمس والبدر والحيا ... مفاخرة جاءت بأسنى وأكرم
بعبد العزيز ابن الخلائف والذي ... جميع المعالي تنتمي حيث ينتمي
1 / 2
ودخوله في هذا الموضع إلى المدح، ومفاخرته بين السماء والأرض من المعاني التي سبق فيها واستولى على الأمد بها. وقوله: "كأن الذي يسقي الثرى صرف قهوة ... ". البيت، شبه فيه إفشاء الأرض نوارها وخضرتها بالمطر بإفشاء الملاء أسراره المكتومة بالقهوة. وقوله: "ينم"، مستقبل من النميمة، يقال: ينم بكسر النون وضمها، والكسر أفصح. وقوله: "بوجه مقسم" أي محسن من القسام: وهو الحسن. وقوله: "فسلمي"، أراد: فأذعني لها وأقري بفضلها. ولعبد الملك بن نفيل قطعة محكمة في هذا المعنى كتب بها إلى المنصور بن أبي عامر_رحمه الله _بأرملاط: [الكامل]
انظر إلى حسن الزمان كأنما ... يلقاك عن بشر لوجهك مبشر
بكت السماء على الربا فتبسمت ... منها ثغور عن عقائل جوهر
أهدى الربيع إليه سكب سمائه ... فكسا الثرى من كل لون أزهر
ضحكت متون الأرض عند بكائه ... عن أبيض يقق يروق وأصفر
وكذاك لم تكشف سريرة روضة ... يوما بأفصح من غمام ممطر
غيث أرانا كل نور ضاحكا ... متطلقا منها بنور أنور
متبختر في مشيه فكأنه ... ثان لها عطفا وكاسر محجر
وكأنما زهر الرياض كواكب ... حسرت لنا عن كل أزهر مقمر
فصل السرور بقهوة مشمولة=تغنيك عن قبس ومسك أذفر شبه بشر الزمان ببشر وجه ممدوحه في أول بيت، وشبه ضياء الخمر بالقبس، وريحها بالمسك إذ أقامها مقامها في آخر بيت. وللكاتب أبي الأصبغ عيسى بن عبد الملك بن قزمان من جملة قصيد مطول قطعة في هذا المعنى، وهي إثر وصف البرق: [الكامل]
كم ذا ضميره من روضة ... والغيث ملآن بنور زاهر
يخفي ويضمره الحيا فكأنه ... بحر تستر فيه نور جواهر
حتى إذا ما عانق الروض الثرى ... طلعت أوائل نبته المتظاهر
متخالفات في الربا فنظائر ... حسنا وفي الألوان غير نظائر
ترنو إليك جفونها عن أعين ... أحلى وأملح من عيون جآذر
لا شيء أحسن منظرا إن قسته ... أو مخبرا من حسن روض ناضر
إن جئته أعطاك أجمل منظر ... أو غبت زادك في النسيم الحاضر
وقال أبو أيوب سليمان بن بطال المتلمس في هذا المعنى فأحسن: [المتقارب]
تبدت لنا الأرض مزهوة ... علينا ببهجة أثوابها
كأن أزاهرها أكؤس ... حدتها أنامل شرابها
كأن الغصون لها أذرع ... تناولها بعض أصحابها
وقد أعجب النور فيها الذباب ... فيهزج من فرط إعجابها
كأن تعانقها في الجنوب ... تعانق خود وأترابها
كأن ترقرق أجفانها ... بكاها لفرقة أحبابها
مزهوة، مفعولة، من الزهو، ومعناها متعجبة من حالها، متكبرة لجمالها. وترقرق الأجفان: امتلاؤها بالدمع. واستعار للنور أجفانا. وقال محمد بن مسعود البجاني فأحسن في الوصف كل الإحسان: [المنسرح]
أما ترى الأرض ألبست حللا ... من نسج أيدي السحائب الصوب
كأن أشجارها وقد كسيت ... بدائعًا من حليها المعجب
من أحمر كالعقيق منظره ... وأصفر كالفريد لم يثقب
وأبيض فوقه سقيط ندى ... كماء ورد في عنبر أشهب
وثمر في الغصون تحسبه ... جامد خمر في الجو لم يسكب
أو أنجم الشرق بان مطلعها ... فسرن من مشرق إلى مغرب
خرائد يلتقين في عرس ... تسكن حينا وتارة تلعب
والماء يجري خلال ساحتها ... كأنه جسم فضة ذوب
وللصبا نفخة تذكرنا ... طيب نسيم الصبا فما أطيب
والطير في أيكها مغردة ... كأنها في منابر تخطب
أعجب بها من نواطق خرس ... توجز حينا وتارة تسهب
تفهمني عجمة بألسنها ... معنى الكلام المبين المعرب
وللوزير أبي عامر بن شهيد_رحمه الله_في الربيع قطعة عجيبة من قصيدة طويلة مشتملة على أوصاف سواها مستغربة، ومعان [غيرها] مستعذبة، [والقطعة]: [مجزوء الكامل المرفل]
سهر الحيا برياضها ... فأسالها والنور نائم
حتى اغتدت زهراتها ... كالغيد باللج العوائم
من ثيبات لم تبل ... كشف الخدود ولا المعاصم
وصغار أبكار شكت ... خجلا فعاذت بالكمائم
حييت بطوفان الحيا ... فتضاحكت والجو واجم
أصناف زهر طوقت ... دررا تذوب بكف ناظم
1 / 3
من باسم باك إلي ... ك ند، وباك وهو باسم
وقال الوزير أبو عامر بن مسلمة يصفه بوصف أبدع فيه وأغرب، وأنبأ عن حذقه وأعرب، أنشدنيه موصولا بوصف الحاجب_أدام الله عزه ووصل حرزه_وهو: [السريع]
أهلا وسهلا بوفود الربيع ... وثغره البسام عند الطلوع
كأنما أنواره حلة ... من وشي صنعاء السري الرفيع
أحبب به من زائر زاهر ... دعا إلى اللهو فكنت السميع
بث على الأرض درانيكه ... فكل ما تبصر منها بديع
كأنما الحاجب ذو المن وال ... إحسان إسماعيل مولى الجميع
أهدى إليه طيب أخلاقه ... فنحن منها دهرنا في ربيع
لا زال يبقى سالما ما دعت ... قمرية في فنن ذي فروع
قال أبو بكر عبادة بن ماء السماء يصفه بأوصاف بديعة، وتشبيهات رفيعة، وبدأ بذكر السحابة: [الرمل]
ولعوب عشقت روض الثرى ... فهي تأتيه على طول البعد
فيرى الروض إذا ما وصلت ... أرج العرف من الطيب الجسد
عطرا ملتبسا ملتحفا ... في سرابيل من الحسن جدد
كمحب زار محبوب له ... فتحلى للقاه واستعد
وإذا ما ودعت أبصرتها ... في نحول العاشق الصب الكمد
تلحظ النور بلحظ فاتر ... مثل جفن حائر فيه رمد
وجفون النور تهمي بالبكا ... كجفون الصب من فقد الجلد
فهما في حيرة عند النوى ... كمحبين أحسا بالبعد
ولأبي بكر أيضا قطعة بديهية وهي: [البسيط]
أما ترى باكر النور الذي نجما ... كأنه آيب من غيبة قدما
والقطر ساق له والبرق يعجله ... سقياه فعلة داعي الشرب بالندما
كأنه سلك درٍّ حل، أو كلف ... بكى فلما دنا محبوبه ابتسما
كأن مبدئه في الأفق منتثرا ... أعاده في أنيق الروض منتظما
فلا ترد على الساقي حكومته ... فإن دين الهوى راض بما حكما
أشار إلى حسن الساقي في آخر بيت. وأحسن منها مجتلى، وأطيب مجتنى في هذا المعنى ما أنشدنيه لنفسه الفقيه أبو الحسن بن علي ممتزجا، يمدح الوزير أبا بكر عبد الله بن ذي الوزارتين القاضي_أعزهما الله_وهو: [السريع]
قد قلت للروض، ونواره ... نوعان تبري وتفضي
وعرفه مختلف، طيبه ... صنفان خمري ومسكي
ووجه عبد الله قد لاح لي ... وهو من البهجة دري
شم غرسك الأرضي إن الذي ... أبصرته غرس سماوي
حسنك نوري بلا مرية ... وحسن عبد الله نوري
أضحى صغيرا وهو في قدره ... نيلا كبير الشأن علوي
قوله: "شم" أمر من شام يشيم إذا سل وأغمد، من الأضداد، وهو ها هنا الإغماد، ومعنى القطعة أنيق، ومغزاها دقيق ومن الصفات المطبوعة، في الكلمات المصنوعة، قطعة لأبي الحسن أيضا أنشدنيها وهي: [المتقارب]
وقفت على الروض في يوم طش ... وللدجن ظل كظل من نمش
وقد صقل الطل نواره ... وأذهب ما فوقه من نمش
فما غصن يشتكي عطلة ... ولا شجر يتشكى عطش
ترى النبت صنفين من بهجة ... فمن مستقل ومن منفرش
ومن لابس ثوب طاووسة ... ومن مترد بوشي الحنش
وفص من النور لم ينتقش ... وثان لطبع المنى قد نقش
جمال يحير لب الفتى ... ويكسبه من شرور دهش
ومن النهاية في الحسن والإحسان قول أبي عبد الله محمد بن سليمان المعروف بابن الحناط: [في قصيد أوله]: [الكامل]
راحت تذكر بالنسيم الراحا ... وطفاء تكسر للجنوح جناحا
يعني السحاب، ثم خرج من وصفها بعد أبيات إلى وصف الروض، فقال:
جادت على التلعات فاكتست الربا ... حللا أقام لها الربيع وشاحا
فانظر إلى الروض الأريض وقد غدا ... لبكا الغوادي ضاحكا مرتاحا
والنور يبسط نحو ديمتها يدا ... أهدى لها ساقي الندى أقداحا
وتخاله حيى الحيا من فوحه ... بذكيه فإذا سقاه فاحا
وأخبرني الفقيه أبو الحسن بن علي قال: كان في داري بقرطبة حائر صنع فيه مرج بديع وظلل بالياسمين، فنزهت إليه أبا حفص التدمري في زمن الربيع، فقال: ينبغي أن تسمي هذا المرج السندسة، وصنع على البديهة أبياتا تشاكل هذا الباب [وتطابق غرض الكتاب وهي]: [المتقارب]
نهار نعيمك ما أنفسه ... وربع سرورك ما آنسه
1 / 4
تأمل وقيت ملم الخطو ... ب فعل الربيع وما أسسه
بحائر قصرك من صوغه ... دنانير قد قارنت أفلسه
وأسطار نور قد استوسقت ... وسطر سطر على الغمر قد طلسه
ونبت له مدرع أخضر ... بصفرة أصباغه ورسه
فأبدع ما صاغ لكنه ... أجل بدائعه السندسة
مدارعها خضرة غضة ... أعاد النعيم لها ملبسة
كأن الظلال علينا بها ... أواخر ليل على مغلسه
كأن النواوير في أفقها ... نجوم تطلعن في حندسه
ومهما تأملت تحسينها ... فعيني بقرتها معرسه
محل لعمرك قد طيب ال ... إله ثراه وقد قدسه
المغلسة، جمع مغلس، وهو الداخل في الغلس. ولصاحب الشرطة أبي بكر بن القويطة في هذا المعنى الذي غرضت إليه في كتابي، وقصدته بتأليفي نوادر مبتدعة، ومعان مخترعة، وقطع من السحر مقتطعة، ستقع في أبوابها، وتوضع مع أشكالها فمن بديع ما أنشدنيه قوله:
ضحك الثرى وبدا لك استبشاره ... واخضر شاربه وطر عذاره
وربت حدائقه وآزر نبته ... وتفطرت أنواره وثماره
واهتز ذابل نبت كل قرارة ... لما أتى متطلعًا آذاره
وتعممت صلع الربا بنباتها ... وترنمت من عجمة أطياره
وكأنما الروض الأنيق وقد بدت ... متلونات غضة أنواره
بيضا وصفرا فاقعات صائغ ... لم ينأ درهمه ولا ديناره
سبك الخميلة عسجدا ووذيلة ... لما غدت شمس الظهيرة ناره
فتوسد الديباج وافترشن له ال ... وشي الذي من غير صنعا داره
وتضوعت ريح الرياض كأنما ... فت العبير بأرضها عطاره
فاشرب إذا اعتدل الزمان ووزنه ... وإذا استوى بالليل منه نهاره
شبه الروض بالصائغ، وابيض نوره وأصفره بدراهمه ودنانيره، والخميلة: مسترق الرملة. والوذيلة: الصفيحة من الفضة، وجمعها على فعائل. وأبدع من هذا وأطبع، ما أنشدنيه أيضا لنفسه: [السريع]
لما رأى العام زمان الربي ... ع الطلق قد نشر عرف الكبى
أجرى إلى غايته مجهدا ... فكلما رام لحاقا كبا
والنور قد بث دنانيره ... مفضضا إن شئت أو مذهبا
استعمل الحيلة لما ونى ... ولم يجد عن قصده مذهبا
فقال: أسلفني يوما بشه ... ر، فأجابته رياض الربا:
هذا الربا، والله في وحيه ال ... منزل قد حرم فعل الربا
ومما يوازي هذه القطعة دقة ويشاكلها رقة، قوله: [مخلع البسيط]
قد أخذ الأفق في البكاء ... واغرورقت مقلة السماء
فالأرض إن أظهرت جفاء ... أرسل عينيه بالبكاء
كأنه عاشق مشوق ... يشكو هواه إلى الهواء
مرجيا أن يلين منها ... ما أظهرته من الجفاء
حتى إذا راضها سفيرا ... صدت بوجه من الحياء
وانتقبت بالنبات عنه ... والتحفت منه في رداء
1 / 5
وللوزير الكاتب أبي حفص بن برد في هذا المعنى قطعة نثر، مقطعة من السحر، في رسالة كتب بها عند صدره من دانية إلى الوزير الكاتب أبي إسحاق بن حمام وقد خرجا متنزهين في ما يقرب من مدينة قرطبة في زمن الربيع، يصف حسن شمائلها، ويورد شرف فضائلها، وهي_أعني القطعة_بعد صدر: "كيف شاهدت أنهارها، وقد درت عليها أخلاف الأنوار [فأتأقتها؟، وأنوارها] وقد سرت إليها خيالات الأنداء فأرقتها؟. وكيف تأملت الربيع وقد صاغ لمفارقها تيجانا؟ وفتق لمعاصمهاأردانا؟ فكأنما راسلت الأرض زهر النجوم، مع كدر الغيوم أن تبديها عند جلائها، في هيئة سمائها. وكيف عاينت انشقاق تلك الأباطح؟ كأنه فضة تحته نار، فليس لها أبدا قرار، يلبس للريح لأمه، ويسل على الشمس صمصامه".قوله: أخلاف الأنواء من حسن الاستعارة. وأتأقتها: ملأتها. وبعد هذا وقبله من المعاني الطريفة، والنوادر الظريفة، ما يحل من الأسماع محل السماع، ويجري على الأفواه مجرى الأمواه، ولكنها ليست مما قصدت إلى جمعه، ولا عنيت بذكره. قال أبو الوليد: فجاوبه الوزير الكاتب أبو إسحاق بن حمام عن تلك المعاني بشكلها براعة وبزاعة، وعلى تلك الفصول. بمثلها صياغة وصناعة، وفي آخر جوابه أوصاف في أصناف النواوير، وتشبيهات لأنواع الأزاهير تعجب متأمليها، وتعجز متتبعيها، وهي إثر ذكر الأنواء: "قد نسجت لها من زهر الربيع حللا، وسقتها من مجاجتها عذبا غللا، وأطلعت فيها آثار الغيوم أشباه النجوم، فازدانت بأبهج لبوس، وبرزت للناظرين في حلي العروس، كأنما اختلست لفظك فلبسته، أو أمكنها كلامك فتوشحته، فمن قانيء صبغ الهواء غلائله، وغذت السماء خمائله، لا يشتكي من نداها بشرق، ولا يبيت من ظمأ على فرق. حتى بدا في لون شفق. فكأنما شرب رحيقا، أولبس عقيقا. أوكأنما خاف عذلا فاحمر خجلا. يحمل من طله فرائد. كأنها أدمع خرائد. أو فاقع يجنيك تبرا، ويريك من لونه سحرا، يلقاك من حسنه في أجمل منظر، ويختال من جلابيبه في معصفر. كأنما خافت هجرا، واستشعرت ذعرا. ترو إليك بمقل حسان، لا تنطبق منها الأجفان. فكأنما تشكو سهرا، أضعف منها نظرا. إلى تحاسين قد لبست ثوب بهائها، وضحكت عند بكاء سمائها. تروقك من حسنها فنون، وترنو نحوك منها عيون. فمن بصير وأكمه، وكحيل وأمره".
قوله: "عذبا غللا"، الغلل: الماء الجاري بين الأشجار، عن الأصمعي. أبو عبيدة: الغلل: الماء الظاهر الجاري، وهو الغيا أيضا. والقانيء: الأحمر. والفاقع: الأصفر. ويقال في الأسود: حالك وحانك. وفي الأبيض: يقق. والأكمه: المولود أعمى. والأمره: الذي لا يكتحل. ومن السني البديع، [والسري الرفيع]، في فصل الربيع، ما أنشدنيه لنفسه أبو جعفر بن الأبار موصولا بمدح الحاجب وهو: [الكامل]
لبس الربيع الطلق برد شبابه ... وافتر عن عتباه بعد عتابه
ملك الفصول حبا الثرى بثرائه ... متبرجا لوهاده وهضابه
فأراك بالأنوار وشي بروده ... وأراك بالأشجار خضر قبابه
أمسى يذهبها بشمس أصيله ... وغدا يفضضها بدمع جنابه
عقل العقول فما تكيف حسنه ... وثنى العيون جنائبا بجنابه
بالحاجب المأمول أضحك ثغره ... فرحا وأنطق جهرنا بصوابه
بعماد هذا الدين والملك الذي ... تتبادر الأملاك لثم ركابه
هز الصعاد فأرعدت من خوفه ... وعلا الجياد فأصبحت تزهى به
عتباه: رضاه. وعتابه: سخطه. ووهاده: المواضع المنخفضة. ونجاده: المرتفعة. جنائبا: مقودة إليه، موقوفة النظر عليه. وقوله: "هز الصعاد": [جمع] صعدة: وهي القناة النابتة مستقيمة لا تحتاج إلى ثقاف وتقويم. وله أيضا في هذا المعنى قطعة بديعة الغرض موصولة بمدح أبي_وقاه الله بي_وهي: [المنسرح]
استبشر الدهر بعدما استبصر ... فراق منه الرواء والمخبر
وجرد الجو ثوب دكنته ... واكتست الأرض ثوبها الأخضر
وأضحكت عن بديع زهرتها ... لما بكى الغيث قبل واستعبر
مادر در الغمام منتثرا ... إلا انتحى الروض نظم ما ينثر
ولا انتضى البرق فيه أنصله ... إلا دم المحل بينها يهدر
لولا عقيق البروق حين سرى ... لم يكن الروض يثمر الجوهر
حدائق بل كأنها حدق ... تهجع طورا وتارة تسهر
إذا صبت نحوها الصبا فتقت ... للأنف مسكا من ردعها أذفر
1 / 6
أرض تباهي السماء مشرقة ... بكل نجم من زهرها أزهر
وقبل ما فاخرت كواكبها ... بالغر والصيد من بني حمير
بكل غيث إذا السماء صحت ... وكل ليث إذا القنا كسر
وكل سهم إذا انتحى غرضا ... وكل شهم إذا علا منبر
بحار جود تفيض من كرم ... حسبت ذا المجد بينها الكوثر
قوله: "وكل شهم". الشهم: الذكي القلب. وقال صاحب الشرطة أبو بكر بن القويطة يصف الربيع، ويمدح ذا الوزارتين أبا عمرو أحمد بن إسماعيل بن عباد: [مخلع من البسيط]
أما ترى الروض جوهريا ... ينظم در السما مليا
والنور من فضة وتبر ... متى غدا النبت صيرفيا
حتى كأن الربيع ملك ... يحيي لها نورها البهيا
ترى نواويره كتبر ... محض وآذار قسطريا
قد مد نطعا على رباها ... ينتقد المحض والرديا
مثل انتقاد العلا أبا عم ... رو نجل عباد السريا
الراجح الواضح المحيا ... والحول القلب الكميا
والمنجب المعجب افتنانا ... والمنبه المدره الذكيا
قال أبو الوليد: ومما قلته في هذا المعنى قطعة موصولة بمدح الحاجب_أطال الله بقاؤه، وحرس حوباءه_وهي: [الكامل]
أبشر فقد سفر الثرى عن بشره ... وأتاك ينشر ما طوى من نشره
متحصنا في حسنه في معقل ... عقل العيون على رعاية زهره
فض الربيع ختامه فبدا لنا ... ما كان من سرائه في سره
من بعد ما سحب السحاب ذيوله ... فيه ودر عليه أنفس دره
فأحل جفونك فيه تجل صدا بها ... لولا انبراء جماله لم تبره
واشكر لآذار بدائع ما ترى ... من حسن منظره النضير وخبره
شهر كأن الحاجب ابن محمد ... ألقى عليه مسحة من بشره
ملك تملك رقنا بمكارم ... جعلت له غفر النجوم كعفره
لا زال خطب زمانه في أسره ... فلقد رأيت به هواي بأسره
الغفر: نجم، والعفر: التراب، يقال: عفر وعفر، فكأنه لعلو منزلته، وسمو درجته قد استويا في بعدهما منه وتباينهما عنه، و"أسره" في شطر البيت: في ملكه وتحت حكمه، من الأسر المعروف. و"بأسره" في القافية بمعنى كله وجميعه. يقال أخذت الشيء بأسره أي جميعه. ولي أيضا في مثل ذلك:
بكت السماء فأضحكت سن الثرى ... بمدامع نظمت عليه جوهرا
فكأنها خرقاء تنثر عقدها ... وكأنه مستغنم أن ينثرا
عكفت يداه على نظام فريده ... وجمانه فردا لذاك مشمرا
فأعاده أبهى لطرف منظرا ... وأعده أذكى لأنف مخبرا
فانظر محاسن للربيع تبرجت ... لولا الربيع لما تجلت للورى
ومن المستحسن المستغرب، والمستطاب المستعذب، في هذا المعنى قطعة لأبي بكر بن نصر، كتب بها إلي في الربيع يسألني الخروج إلى حيث يبدو كماله، ويظهر جماله، [والقطعة]: [الكامل]
انظر نسيم الروض رق فوجهه ... لك عن أسرته السرية يسفر
خضل بريعان وقد غدا ... للعين وهو من النضارة منظر
قد طرزت منه البرود وطررت ... بالوشي فهو مطرز ومطرر
وكأنما تلك الرياض عرائس ... ملبوسهن معصفر ومزعفر
أو كالقيان لبسن موشي الحلى ... فلهن من وشي اللباس تبختر
أرض مدبجة الروابي غضة الت ... تلعات فهي عن العبير تعبر
يتعطل المسك الذكي لعرفها ... وبه الزمان وحسنه يتعطر
مصفوفة أنماطها ممدودة ... حبراتها تبدو إليك وتظهر
فكأنما صنعاء أهدت وشيها ... ورمت مطارفها الطريفة عبقر
حسن يقدر في الربيع ولا ترى ... ذا الحسن إلا في الربيع يقدر
أنوار أشجار غدت أوراقها ... ورق ترقرق بالحباب فتقطر
فاسمح لصحبك أن ترود رياضها ... معهم فإن عيونهم بك تنظر
مهد لهم نحو البطاح نزاهة ... غراء تزهى بالسماح وتفخر
1 / 7
فلما وصلت هذه القطعة إلي، ووردت علي، أثارت مني كامنا، وحركت ساكنا، في ما ندب إليه وحض عليه، فخاطبت أبي_وقاه الله بي_برسالة فيها بعض أصناف هذه الأوصاف أسأله إباحة الخروج لي فبلغني أملي. والرسالة بعد صدرها: "لما خلق الربيع من أخلاقك الغر، وسرق زهره من شيمك الزهر، حسن لكل عين منظره، وطاب في كل سمع خبره، وتاقت النفوس إلى الراحة فيه، ومالت على الإشراف على بعض مم تحتويه من النور الذي كسا الأرض حللا، لا يرى الناظر في أثنائها خللا. فكأنها نجوم نثرت على الثرى، وقد ملئت مسكا وعنبرا. إن تنسمتها فأرجة. أو توسمتها فبهجة. تروق العين أجناسها، وتحيي النفوس أنفاسها: [البسيط]
فالأرض في بردة من يانع الزهر ... تزري إذا قستها بالوشي [والحبر]
قد أحكمتها أكف المزن واكفه ... وطرزتها بما تهمي من الدرر
تبرجت فسبت منا العيون هوى ... وفتنة بعد طول الستر والخفر
فأوجدني بمعانيك سبيلا إلى أعمال بصري فيها لأجلو بصيرتي بمحاسن نواحيها. فالفصل على أن يكمل أوانه، وينصرم وقته وزمانه، فلا تخلني من بعض التشفي منه لأصدر نفسي متيقظة عنه، فعهدي بمثل ما سألته بعيد، وشوقي إليه شديد، والنفوس تصدأ كما يصدأ الحديد، ومن أجمها فهو السديد الرشيد. "واكفة" في الشعر: هاطلة غزيرة. ومن المصنوع المطبوع في وصف الربيع ما أنشدنيه لنفسه أبو القاسم البلمي وهو: [الكامل]
انظر ونزه ناظريك بروضة ... غناء ما زلت تراح وتمطر
لتريك من صنعاء صنعة وشيها ... بمطارف من تستر لا تستر
ألوانها شتى وطيب نسميها ... يقصى العبير به وينسى العنبر
"تراح" من الريح، مثل "تمطر" من المطر. قال أبو الوليد: وخرجت متنزها في زمن الربيع إلى بعض ضياعي، فكتبت منها إلى صاحب الشرطة أبي الوليد بن العثماني قطعة نثر تحتمل أن تدخل في هذا الباب، وهي بعد صدرها. "قد علم سيدي أن بمرآه يكمل جذلي، ويدنو أملي، وقد حللت محلا عني الجو بتحسينه، وانفرد الربيع لتحصينه، فكساه حللا من الأنوار، بها ينجلي صدأ البصائر والأبصار، فمن مكموم يعبق مسكه، ولا يمنعه مسكه، ومن باد يروق مجتلاه، ويفوق مجتناه، في مرآه ورياه، فتفضل بالخفوف نحوي، وتعجيل اللحاق بي لنجدد للأنس مغاني قد درست، ونفك من السرور معاني قد أشكلت، ونشكر للربيع ما أرانا من البديع إن شاء الله". المكموم: هو الذي في كمامته لم يبد. ومسكه: جلده. أعني الكمامة.
الفصل الثاني
في القطع التي لم تنفرد بنوار وإنما اشتملت على نورين أو أنوار
قال أحمد بن هشام بن عبد العزيز بن سعيد الخير بن الإمام الحكم_رضي الله عنهم_يصف النرجس والورد من جملة قصيد مطول: [المنسرح]
انظر إلى الروض في جوانبه ... أحمره ضاحك وأصفره
إذا هفت فوقه الرياح سرى ... بهفوفها مسكه وعنبره
نرجسه تستجد صفرته ... حتى كأن الحبيب يهجره
والورد يختال في منابته ... تطويه أكمامه وتنشره
قال أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه: [الخفيف]
باكر الروض في رياض السرور ... بين نظم الربيع والمنثور
في رياض من البنفسج يحكي ... أثر العض في بياض الصدور
وترى السوسن المنعم يحكي ... ذهبا نابتا على كافور
وكتب عمر بن هشام بن قلبيل إلى صديق له يستدعيه في زمن. الربيع ويصف ما عنده من النواوير بوصف بديع: "نحن_أكرمك اله_على بسط الرياحين، ودرانك الورد والياسمين، ووشي رياض مونقه، حاكتها أيدي الربيع المغدقة. تلاحظنا عن أعين النرجس والسوسان، بأحلى محاجر وأجفان، وتبسم عن نور الأقحوان بمثل الدر والمرجان، فهي متضوعة عن لطائم المسك، متنفسة بأرج الورد، جذلة بهجة، فائحة أرجة، فإن تقارن حسنها بحسن وجهك فهي حالية مشرقة، وإن عطلت من ضياء غرتك فهي باكية مطرقة". ولعبد الزكي بن عثمان الأصم قطعة حسنة في الورد والأقاح وهي: [مجزوء الكامل]
وغضيض من جنى الور ... د حكى الصبح انفجارا
وأكاليل أقاحي ... ي يخالسن حذارا
مشرئبات إلى الشم ... س بأحداق حيارى
إن سقاها الطل في السر ... ر تضاحكن جهارا
1 / 8
ولأبي مروان عبد الملك بن سعيد المرادي قصيد سري يمدح به الناصر لدين الله_رحمه الله_وفيه أوصاف لنواوير، وتشبيهات في أزاهير، فمنها قوله: [الطويل]
كأن جني الورد أحدق حوله ... جنى سوسن مستطرف اللون أزهر
خدود العذارى المخجلات تحفها ... عوارضها مبيضة لم تخفر
وأعين عقيان بأجفان لؤلؤ ... على كل فرع كالزمرد أخضر
وللحاجب أبي الحسن جعفر بن عثمان المصحفي_رحمه الله_في هذا المعنى أبيات بارعة، فيها تشبيهات رائعة. وهي: [الكامل]
انظر إلى الروض الأريض تخاله ... كالوشي نمق أحسن التنميق
وكأنما السوسان صب مدنف ... لعبت يداه بجيبه المشقوق
يوم الوداع ومزقت أثوابه ... جزعا عليه أيما تمزيق
والنرجس الغض الذكي محاجر ... تعبت من التسهيد والتأريق
يحكي لنا لون المحب بلونه ... وإذا تنسم نكهة المعشوق
وكأن دائرة الحديقة عندما ... جاد الغمام لها برشف الريق
فلك من الياقوت يسع نوره ... فيه كواكب جوهر وعقيق
شبه أوراق السوسن في افتراقها بجيب مشقوق، وهو معنى دقيق أنيق، وقد تداوله جماعة، وأظنه من اختراعه، وتشبيهه الأخير في الحديقة من التشبيهات العقم على الحقيقة. ولأبي القاسم بن هانيء الأندلسي قطعة بديهية سرية، كلها سنية، يصف فيها الورد والياسمين والنرجس، صنعها في مجلس جعفر بن الأندلسية، وقيل في مجلس جعفر بن فلاح، وهي: [الكامل]
وثلاثة لم تجتمع في مجلس ... إلا لمثلك والأديب أريب
الورد في شمامة من فضة ... والياسمين وكل ذاك عجيب
والنرجس الغض الذكي ولونه ... لون المحب إذا جفاه حبيب
فاحمر ذا، وابيض ذا، واصفر ذا، ... فبدت دلائل كلهن غريب
فكأن هذا عاشق، وكأن ذا ... ك معشق، وكأن ذاك رقيب
وقال أبو عبد الملك الطليق، وهو مروان بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن الناصر لدين الله يصف الورد والبهار في قصيد مشهور له لم يصنع بعده ولا قبله على عروضه وقافيته ما يوازيه جمالا، ولا يضاهيه كمالا، والوصف بعد صدر في سواه: [الرمل]
وكأن الورد يعلوه الندى ... وجنة المعشوق تندى عرقا
يتفقا عن بهار فاقع ... خلته بالورد يطوي ومقا
كالمحبين الوصولين غدا ... خجلا هذا وهذا فرقا
يا لها من أنجم في روضة ... قد ترقت في رباها أفقا
ودنت منها إلى شمس الضحى ... حدق للنور تصبي الحدقا
تشبيه الورد بوجنة المعشوق كثير، إلا أنه أعرب بزيادة الندى، ومقابلته بالعرق. وقوله: "يتفقأ" أراد ينشق وينجاب، ومنه حديث أبي بكر الصديق_رضي الله عنه_: "نحن عنزة رسول الله ﷺ وبيضته التي تفقأت عنه" أراد انشقت وانجابت. ودل على أن البهار بين الورد. وقال أبو عمر يوسف بن هارون الرمادي يصف الورد والأقاحي: [الطويل]
وفي الورد غضا والأقاحي محاسن ... سرقن من الأحباب للمتشوق
خدود عذارى لو تقصى حياؤها ... وأفواه حور لو سمحن بمنطق
هذان التشبيهان معروفان، لا سيما قلبهما، ولكن لو فهما حسنتهما معا وأبدعت فيهما بدعا. وللمتوكل بن أبي الحسين قطعة بديعة يصف فيها نواوير وهي: [المديد]
في رياض بسطها زهر ... مظهر من أيكها قبب
نرجس يرنو بلحظته ... نحو ورد طالما انتقبا
فترى ذا سافرا خجلا ... وترى ذا عاشقا نصبا
وترى الخيري مكتتما ... مثل لص كاد أن يثبا
فإذا ما الليل ستره ... أظهر الفتكة واستلبا
ولأبي بكر بن هذيل قطعة رفيعة الصفات، بديعة التشبيهات في نواوير عدة وهي: [الطويل]
حديقة نفس تملأ النفس بهجة ... وتثنى عيون الناظرين بها حسرى
كأن جني الجلنار ووردها ... عشيقان لما استجمعا أظهر خفرا
كأن جنى سوسانها في سنا الضحى ... كؤوس من البلور قد حشيت تبرا
كأن عيون النرجس الغض بالندى ... عيون تداري الدمع خيفة أن يدرى
كأن جنى الخيري في غبش الدجا ... نسيم حبيب زار عاشقه سرا
كأن ينابيع المياه مراجل ... تفور وقد أزكت لهن الحصى جمرا
1 / 9
شبه المياه في آخر بيت بالمراجل، وهي القدور، واحدها مرجل. وللوزير عامر بن شهيد_رحمه الله_قصيد يمدح به سليمان المستعين بالله_نضر الله وجهه_في فصل النيروز، وفيه قطعة عجيبة في نواوير عدة: [الكامل]
وأتاك بالنيروز شوق حافز ... وتطلع للزور غب تطلع
وفاك في زمن عجيب مونق ... وأتاك في زهر كريم ممتع
فانظر إلى حسن الربيع وقد جلت ... عن ثوب نور للربيع مجزع
فكأن نرجسها وقد حشدت به ... زهر النجوم تقاربت في مطلع
أو أعين الأحباب حين تراسلت ... باللحظ تحت تخوف وتوقع
وبها البنفسج قد حكى بخضوعه ... وقنو لون في سواد مشبع
خد الحبيب وقد عضضت بحنة ... فشكا إليك بأنة وتوجع
وكأنما خيريها تحت الدجا ... بين الأزاهر قام كالمتطلع
يرجو زيارة من يحب لوعده ... كلفا فبات مراقبا لم يهجع
وكتب الوزير أبو عامر بن مسلمة، وبين يديه ورد وسوسان ونيلوفر، على صاحب الشرطة أبي بكر بن القوطية يسأله وصفها، وشرط في رغبته أن يكون أول الشعر: [الكامل]
وثلاثة لما اجتمعن بمجلس ... نبهن مني همة لم تنعس
فأضاف أبو بكر إليه بديهة أبيات سرية تعجز من رامها روية وبعث بها إليه، وهي: [الكامل]
وثلاثة لما اجتمعن بمجلس ... نبهن مني همة لم تنعس
ودعون حي على الصبوح فشقني ... بدعائهن إلى لقاء الأكؤس
ورد كمثل دم الوريد وسوسن ... غض بسوسي الغلائل مكتس
ويزينه نيلوفر أوراقه ... ورق جرى من فوق أخضر أملس
فإذا سرت أنفاسها لك أبرأت ... بلطيف رياها عليل الأنفس
الورد والسوسان والنيلوفر ال ... أرج المشم محركي وموسوسي
فاقت بحسن روائها وأريجها ... فيها من النوار أعمر مجلسي
وأنشدني أيضا لنفسه صاحب الشرطة أبو بكر بن القوطية أبياتا يصف فيها الورد والسوسان قصر على جميع تشبيهاتها، وبديع صفاتها الحسن والإحسان، وهي: [البسيط]
قم فاسقنيها على الورد الذي فغما ... وباكر السوسن الغض الذي نجما
كأنما ارتضعا خلفي سمائها ... فأرضعت لبنا هذا، وذاك دما
جسمان قد كفر الكافور ذاك وقد ... عق العقيق احمرارا، ذا وما احتشما
كأن ذا طلية نصت لمعترض، ... وذاك خد غداة البين قد لطما
أو لا، فذاك أنابيب اللجين، وذا ... جمر الغضى حركته النار فاضطرما
قوله: "على الورد الذي فغما" أي الذي سدت ريحه الخياشيم. وقوله: "الذي نجم" أي الذي طلع. والطلية: صفحة العنق، وهي واحدة الطلى. ولغة ثانية في الطلية: طلاة. ونصت: رفعت. وأنشدني لنفسه الوزير أبو عامر بن مسلمة قطعة يصف فيها البهار والبنفسج بأوصاف غريبة، ويشبهها بتشبيهات عجيبة: [الكامل]
قدم البهار مع البنفسج فاشربن ... ن عليهما بين الرياض الغضة
هذا كمعشوق وعاشقه، وذا ... مثل الحزين دموعه مرفضه
وترى البهار كأنه ياقوتة ... صفراء تحملها أكف بضه
قد سترت حذر الرقيب معاصما ... بمطارف خضر وأبدت فضه
وجرى النضار بها فحسن خلقها ... كمثال معشوق تشكى مرضه
وكأن ذاك بخدها وبنحرها ... عند العيان لنا بقايا عضه
قوله: "كأن ذاك" أشار إلى البنفسج إذ بعد ذكره لاشتغاله بوصف البهار. وللوزير أبي عامر بن مسلمة أيضا قطعة في جملة من النواوير، وعدة من الأزاهير، أبدع من المتقدمة على أن لا أبدع، وأرفع منها على أن لا أرفع، تضمنت من التشبيهات غريبها، ومن الصفات عجيبها، أنشدنيها موصولة بمدح ذي الوزارتين القاضي_وصل الله حرمته، وأدام عزته_ وهي: [مجزوء الرجز]
وروضة مشرقة ... بكل نور مجتنى
فيها بهار باهر ... ونرجس يشكو الضنى
وياسمين أرضه ... ونوره تلون
كالليل مخضرا ول ... كن بالنجوم زين
فاجتن وردا واردا ... وسوسنا ملسنا
وحوله نيلوفر ... فتنة ران إن رنا
تخاله مضاربا ... من المها تروقنا
والآس آس كاسمه ... بنوره قد حسنا
تنويره جواهر ... من غير بحر تقتنى
وحبه من سبج ... أو سندس قد لونا
وقد بدا فيها البنف ... سج الندي الغض الجنى
1 / 10
وأرضه مطارف ... خضر أتتنا بالمنى
طابت بطيب ماجد ... فاق سناء وسنا
ذاك ابن عباد عما ... دي وسراج في الدنا
فهو يثير الحق وال ... عدل ويحيي السننا
ونوره مسك فتي ... ت حسنه يفتننا
قاض بنشر عدله ... طابت لنا أزمننا
لا زال يبقى ما علا ... قمري أيك فننا
وللوزير أبي عامر بن مسلمة أيضا قطعة بديهية سرية، كلها سنية، قالها وبين يديه ثلاثة أنوار: خيري وبنفسج وبهار، وأنشد: [الكامل]
وثلاثة لما اجتمعن بمجلس ... أقررن عين تنزهي وتأنسي
نمام طيب في بهار باهر ... وبنفسج أضحى حبيب الأنفس
فالسبق منها في للبهار لأنه ... يأتي ونور الروض لم يتحسس
ثم البنفسج فهو يتلوه لنا ... راقت ملاحته فأصبح مؤنسي
يحكي لنا المسك الفتيت بلونه ... في أرض عنبرة كلون السندس
والخير في الخيري إلا أنه ... يخفي النسيم نهاره بالمجلس
ويذيعه بالليل فهو بفعله ... وبصنعه هذا صديق الحندس
فاقت نواوير الرياض تلونا ... فغدت لها مثل النجوم الكنس
وقال يونس بن مسعود الرصافي يصف الورد والخيري: [الخفيف]
يتطلعن أنجما بعيون ... كالخواتم زانها التفصيص
في رياض كأنما الورد فيهن ... ن عذارى تجنهن خصوص
هب خيريها بليل وقد نا ... م نهارا كما تهب اللصوص
أظن البيت الأول في البهار إذ هي صفته. وله أيضا:
وكأن سوسنه مداهن فضة ... تحوي خلوقا بالعبير مطيبا
وتخال نرجسه بها تبرا على ... قضب الزمرد حين قام مركبا
وكأن أعينه عيون حبائب ... قد أبصرت يوم الندى مترقبا
والورد تحسبه خدود كواعب ... كادت من التوريد أن تتلهبا
وكأنما الخيري خد عضه ... لحظ الحبيب صبابة وتحببا
وصنع الفقيه أبو الحسن بن علي قصيدة ضادية يصف فيها نواوير الربيع بوصف حسن بديع، ويمدح بها ذا الوزارتين القاضي_أدام الله عزه ووصل حرزه_وأنا أذكر منها قطعة تشاكل هذا الباب. وهي بعد صدر من القصيد: [المجتث]
كأنما الروض لما ... وشت يد المزن أرضه
بكل حمراء صرف ... وكل بيضاء بضه
كواكب في سماء ... من الزبرجد محضه
كأن طل الأقاحي ... مدامع مرفضه
أو لؤلؤ فوق أرض ... من المها مبيضه
كأنما الورد صدر ... أبقى به اللثم عضه
أو خد أغيد قد أخ ... جلته حال ممضه
كأنما النهر نصل ... جلا الصياقل عرضه
كأنما غدر الما ... ء في المروج الغضه
إذا التقين مراء ... أو أكؤس من فضه
كأنما الشمس في الجو ... وحين يقطع عرضه
وجه ابن عباد الند ... ب حين تأمل قرضه
حوى بطول يديه ... طول الثناء وعرضه
المرائي، جمع مرآة مثل مكواة ومكاوي. وهو تشبيه قوي سري جدا. قال أبو الوليد: فلما بلغني ذلك صنعت قصيدا على ذلك النحو وأنا أذكر أيضا منه قطع تليق بهذا الباب وهي من أوله: [المجتث]
انظر إلى النهر واعجب ... لحسن مرآه وأرضه
قد حل بين رياض ... من النواوير غضه
فيها بهار بهي ... بدا فزين أرضه
كأنه جيد تبر ... يلوح في طوق فضه
ونرجس مثل لون ال ... مهجور فارق غمضه
وأقحوان أنيق ... بروده مبيضه
قد طرزتها بتبر ... عين الندى المرفضه
وباقلاء قد آبدى ... بنوره الحسن محضه
كأنما هو حال ... بخد بيضاء بضه
كأنما النهر هو أفق الس ... سماء عانق أرضه
وقد كسا عدوتيه ... من الأزاهر مخضه
كما ابن عباد الند ... ب قد كسا الصون عرضه
سمح على المال فظ ... دأبا يجدد فضه
له من الجاه حظ ... على التواضع عضه
1 / 11
فلما أنشدته القاضي_أبقاه الله_سر سرور متشيع في غذي إنعامه، وربي أيامه، وأمرني باستحضار صاحب الشرطة أبي بكر بن القوطية، والأديبين أبي جعفر بن الأبار، وأبي بكر بن نصر وأمرهم عنه_لا زال ماضي الأمر_بالعمل في ذلك المعنى على العروض والقافية، فلم أقدم شيئا على استحضارهم، وإيراد ما أمرني به عليهم. فصنعوا في ذلك من ليلتهم أشعارا رائعة السمات، فائقة الصفات، فمن ذلك شعر أبي بكر بن القوطية وهو من أوله: [المجتث]
بشاطيء الواد نهر ... كسا الدرانك أرضه
خضرا وصفرا وحمرا ... وبعضها مبيضة
نمارق وزراب ... من النواوير غضه
فالورد وجنة خود ... بيضاء غراء بضه
كما البنفسج خد ... أبقى به الهشم عضه
والياسمين نجوم ... حازت من الحسن محضه
روض بديع متى ما ... تجل به الطرف ترضه
تقيد اللحظ حسنا ... فليس يستطيع نهضه
حكى سجايا ابن عبا ... د الكريم وعرضه
قاض على الحق ماض ... راض به لو أمضه
اسم ابتداء تعالى ... أن يحسن الدهر خفضه
أراد أنه رفيع القدر، لم تقدر على خفضه نوب الدهر، وهو معنى كالسحر. ومن شعر أبي جعفر بن الأبار، وهو من أوله:
لا ترض للحظ غضه ... والمح من النور غضه
خد الربيع تبدى ... فصل بلحظك عضه
شقائق شق قلبي ... رواؤها واقتضه
كأنما الأرض منها ... خريدة مفتضه
ونرجس متغاض ... كأنما الحزن مضه
يرنو بطرف كحيل ... كمن يحاول غمضه
وسوسن إن تشمه ... فكالوذائل بضه
أو ألسن الدر صيغت ... أو الطلى المبيضه
والأقحوان نجوم ... ليست ترى منقضه
كانت ختاما عليه ... منه كمائم غضه
فحاول الجو فضا ... بفضة الطل فضه
لم يضحك الروض إلا ... دموعه المرفضه
مازال يولى فيولي ... من كل ود محضه
حتى إذا الورد حيى ... وعارض المسك عرضه
أبدى غلائل حمرا ... إزارها منفضه
كأنما المزن جيش ... يحاول الأفق عرضه
ثم دخل إلى المدح من هنا دخولا مستحسنا فقال مخاطبا لممدوحه: [المجتث]
كأنما البرق فيه ... على اجتدائك حضه
كأنما الرعد قصفا ... بكم يهدد ومضه
كأنما الريح تبغي ... لبعض شأوك نهضه
كأنما البحر عاف ... إليك قد شد غرضه
ومد بالنهر كفا ... لكي تعجل قرضه
قوله: "ما زال يولى" أراد يتعاهد بالولي، وهو مطر الربيع. ويولي الثاني: هو المعروف يسدى إليه، وقوله: "عارض المسك عرضه"، العرض: الريح، يقال: فلان طيب العرض، ومنتن العرض أي الريح. والعرض أيضا: وادي اليمامة، وكل واد عرض. والعرض أيضا: ما ذم به الإنسان أو مدح. وقوله: "قد شد غرضه" الغرض: حزام الفرس ومنه الغرضة. ومن شعر أبي بكر بن نصر، وهو من أوله أيضا: [المجتث]
أما ترى الأرض خضرا ... ء بالأزاهر غضه
كأنها في ملاة ... من الزبرجد محضه
وفوق ذلك نور ... يعانق البعض بعضه
من نرجس ذي جفون ... دموعها مرفضه
مصفر لون كصب ... به غرام أمضه
لحظ لجين ولكن ... على صفا التبر عضه
والسوسن الغض نور ... حمى عن الذم عرضه
كأنه ضاحك عن ... عوارض مبيضه
مفلجات طوال ... تلبست بالفضه
وللنوائر عرض ... والورد أخر عرضه
غض وبض ولكن ... لم ينصف الدهر غضه
الآس أدوم برءا ... والورد أسرع مرضه
ومن المدح:
جاور نداه تصادف ... من طيب العيش خفضه
ما أضمر الكفر إلا ... من بات يضمر بغضه
وإن عصاه مناو ... فما يني أن يفضه
ولو تحصن منه ... برأس رضوى لرضه
ثم إن الوزير الكاتب أبا الأصبغ بن عبد العزيز عرف ذلك فصنع شعرا على هيئتها في المعنى والغرض، ومنه: [المجتث]
يا من تأمل روضا ... به النواوير غضه
وعاين الحسن منها ... قد زين البعض بعضه
فالأقحوان بياض ... كأنه سمط فضه
والنرجس الغض تبر ... في صفرة منه محضه
والورد ماء ونار ... سالا على وجه بضه
1 / 12
ضدان في صحن خد ... قد ألفا بعد بغضه
والنهر سبك لجين ... جرى فزين أرضه
ومن المدح:
قاض يكافح عنا ال ... عدا ويهجر غمضه
أسدى وأولى جميلا ... فأجمل الله قرضه]
أيامه الغر ماء ... صفا لمن رام خوضه
فالعمر فيها قصير ... والدهر فيها كغمضه
وهذا البيت غاية، ووصف نهاية، وإن كان معروفا في وصف الخدود فقلبه إلى وصف الورد مما أحسن فيه، وأغرب به. ولما أكمل أبو الأصبغ إنشاد هذا الشعر أمر القاضي_أعزه الله_والدي عبده الناصح له دأبه الحسن فيه ظاهره وغيبه بالجلوس بين يديه ثم أمل بديهة عليه: [المجتث]
أبلغ شقيقي عني ... مقالة لتمضه
بأن وصف الأقاحي ... ي [الذي وصفته لم آرضه
هلا وصفت الأقاحي] ... بأكؤس من فضه
قيعانها ملبسات ... صرف النضار ومحضه
أو لا فصفر اليواقي ... ت في خواتم فضه
أو النجوم تساقط ... ن في المها المبيضه
أو لا فجام مهاة ... بالخمر في كف بضه
قد باكرته وأبقت ... من فضلها فيه بعضه
قال أبو الوليد: سمعت أبي وأبا الأصبغ يقولان: والله ما أكمل الأبيات بتلك التشبيهات الرائقة، والصفات الرائعة إلا ونحن قد بهتنا من سرعة بديهته، وقدرة فكره على تهذيب قوافيها، وتهذيب معانيها في أسرع من لا في اللفظ، وأعجل من رجع اللحظ، والمعني فيها، والمردر عليه بها هو الوزير أبو الأصبغ في وصفه المتقدم للأقاحي حين قال: [المجتث]
فالأقحوان بياضا ... كأنه سمط فضه
لأنه وصف بياضه ولم يصف صفرته، فجمعهما القاضي_أعزه الله وأحسن ذكراه_بتشبيهات كلها على غاية الكمال، مستوف نهاية الجمال. ولو وقع تشبيه من تلك التشبيهات لموسم بهذه الصناعة، متخذ لها كالبضاعة، بعد إعمال فكره فيه وإشغال ذهنه به، لكان مستندرا مستغربا، فكيف باجتماعها على حسنها وانطباعها له_أعزه الله_بديهة مع كثرة اشتغاله بالفرائض عن هذه النوافل التي لا يتحلى بها، ولا يتجلبب بجلبابها. قال أبو الوليد: وهذه القطعة كان يجب أن تكون في باب القطع المنفردة لأنها في الأقاحي على حدة. لكني لو فصلتها من الشعر الذي اتصلت به، والمعنى الذي وقعت فيه لكنت مفرقا بين الطرف وحوره، والخد وخفره، ففيها من التشريف لمن خوطب بها، وعني فيها ما يبقى في نسله وينبيء عن فضله. وقال أبو الحسن علي بن أبي غالب في المعنى الأول والقافية والعروض موصولا بمدح أبي_أطال الله لي عمره، وأبقى علي ستره_: [المجتث]
نبه جفونك للرو ... ض واهجرن كل غمضه
قد نبه الطل منه ال ... جفن الذي كان غضه
من بين ورد كخد ال ... حبيب حاولت عضه
وسوسن قد حكى لي ... سوالف الغيد بضه
ونرجس منع السه ... د جفنه أن يغضه
كلون صب تشكى ... قلى الحبيب وبغضه
ومن بهار يدلي ... جماجما منه غضه
كأنه معرض عن ... محدث لم يرضه
كأنه نقر التب ... ر في مداهن فضه
وبعد أبيات دخل إلى المدح، فقال: يعني الروض:
كأنما ضمنت من ... معتق المسك محضه
فأشبهت من طباع اب ... ن عامر الندب بعضه
وأنشدني لنفسه أيضا أبو الحسن [بيتين] مرماهما رشيق، ومغزاهما دقيق، في الخيري والنيلوفر، وهما: [السريع]
كأنما الخيري حب غدا الن ... نيلوفر الغض عليه رقيب
فهو إذا طبق أجفانه ... بالليل لاقاك بنشر وطيب
وأنشدني أيضا لنفسه وصفا في السوسن والباقلاء حسن التشبيه أبدع وأغرب [فيه وهو]: [الطويل]
ومن سوسن غض النبات كأنه ... كؤوس لجين لم تشن بنبال
إذا ما بدا فيها الحباب حسبتها ... سوالف غيد قلدت بلآل
ونور نبات الباقلاء كأنه ... شنوف لجين ضمخت بغوال
ولأبي بكر بن نصر وصف أكثر نواوير الربيع في قصيد بديع حسن التشبيهات غريب الصفات مدح به أبي_أبقاه الله لي_فقال يخاطبه [بعد أبيات]: [الكامل]
أسلالة من عامر سلني عن ال ... أنوار تحصل عندك الأنوار
لله نيسان ففيه تم ما ... قد كان قبل بدا به آذار
أما البقاع فإنها جادت لنا ... بشموس نور بينها أقمار
كالأقحوان بديهة فاسمع له ... في الوصف ما فيه اللبيب يحار
1 / 13
هو ضاحك الأسنان لما أن بكت ... عين السماء ودمعها مدرار
فتراه يبسم عن ثنايا فضة ... تبدو إليك لثاتهن نضار
وشقائق النعمان قمص أشبعت ... في حمرة فلها بذا إيثار
وكأنها وسط البقاع وقد علت ... قضبان آس في ذراها نار
وإذا تأملت البهار تأملا ... أيقنت أن المسك منه معار
قضب الزمرد مورقات فضة ... ولها النضار مخلصا نوار
والنرجس الغض الأنيق يغض أل ... حاظا مراضا مالها أشفار
مترقرق بحباب طل مثلما ... بدرت دموع للمحب غراز
واعجب لخيري الرياض فإنما ... هو بين أنوار الرياض خيار
بالليل للسمار ينشر نشره ... لينال ردع نسيمه السمار
فإذا أضاء الصبح أخفى نشره ... وتمزقت من دونه الأوطار
والسوسن الفيان صفه فإنه ... غض تكاد تذيبه الأبصار
وكأنما صرف اللجين بروده ... منه شعار لاصق ودثارا
وإذا دنا للأنف من مستنشق ... فله به من ردعه آثار
وإذا ذكرت الورد فاعلم أنه ... للنور أجمع في الرياض منار
متدثر بغلائل حمر الحلى ... تنجاب دون جيوبه الأزرار
طيب لأنفاس النفوس ومنظر ... للعين إلا أنه غرار
أما وصفه البهار فهو كوصف أبي عمر القسطلي له، ويمكن أن يأخذه أو يوافقه، وقول أبي عمر فيه: [المتقارب]
غصون الزمرد قد أورقت ... لنا فضة نورت بالذهب
وسيأتي في بابه مع أشكاله وأمثاله.
وأنشدني أبو بكر بن نصر وصفا مستحسنا في نواويره [عدة] وأزاهير [جملة] موصولا بمدح ذي الوزارتين القاضي_أيد الله يده، وحصد من حصده_وهو من جملة قصيد مطول: [الطويل]
وقد راقني من يانع النور فاقع ... وقان وأحوى حالك اللون أسوده
غلائل خيري وأقباء سوسن ... وقمصان نسرين يروق توقده
وكم سبط للنور يسطع نوره ... تمر به ريح الصبا فتجعده
إذا الأقحوان الغض أبدى تبسما ... تبدى من الورد النضير تورده
ويزهى الشقيق العصفري بلونه ... إذا فاقع الحوذان جاد تولده
وما الخرم الكحلي إلا كأنه ... من الحسن طرف جال في الجفن إثمده
ومن نرجس نضر يروقك دره ... وياقوته السامي به وزبرجده
وكم للربيع نورا منورا ... تنتجه أيدي الحيا وتولده
كما ولد الإفضال في حمص والندى ... سليل ابن عباد الجواد
ليعتمد الوراد بحر يمينه ... فذلك بحر طامح الموج مزبده
1 / 14
قوله: "ومن نرجس" يعني البهار، وصفته على ذلك دالة، وياقوته السامي لو أمكنه أن يذكر لونه فيقول: المصفر أو نحوه لكان أتم إذ ألوان اليواقيت كثيرة لكنه اكتفى بشهرة الموصوف. وهذا للشعراء كثير. ومن اللباب في هذا الباب رسالة كتب بها الوزير أبو حفص أحمد بن محمد بن برد إلى الوزير أبي الوزير بن جهور وصف فيها نواوير خمسة، وغرضه تفصيل الورد بينها وتقديمه عليها بصفات كلها حر الألفاظ، وتشبيهات جميعها حور الألحاظ، والرسالة: "أما بعد يا سيدي ومن أفديه بنفسي، فإنه ذكر بعض أهل الأدب المتقدمين فيه، وذوي الظرف المعتنين بملح معانيه؛ أن صنوفا من الرياحين وأجناسا من أنوار البساتين جمعها في بعض الأزمنة خاطر خطر بنفوسها، وهاجس هجس في ضمائرها، لم يكن بد من التفاوض فيه والتحاور، والتحاكم من أجله والتناصف، وأجمعت على أن ما ثبت في ذلك من العهد ونفذ من الحلف، ماض على من غاب شخصه، ولم يأت منها وقته. فتخيرت من البلاد أطيبها بقعة، وأخصبها نجعة، وأظلها شجرا، وأغضرها زهرا، وأعطرها نفس ريح، وأرقها دمع ندى، ثم أخذت مجالسها وانبرت على مراتبها وقام قائمها فقال: يا معشر الشجر وعامة الزهر، إن اللطيف الخبير الذي خلق المخلوقات، وذرأ البريات باين بين أشكالها وصفاتها، وباعد بين منحها وأعطياتها، فجعل عبدا وملكا وخلق قبيحا وحسنا. فضل بعض على بعضا حتى اعتدل بعدله الكل، واتسق على لطيف قدرته الجميع، وأن لكل واحد منا جمالا في صورته، ورقة في محاسنه، واعتدالا في قده، وعبقا في نسيمه ومائية في ديباجته قد عطفت علينا الأعين، وثنت إلينا الأنفس وأصبت بنا الأكف، وأزهت بمحضرنا المجالس حتى سفرنا بين الأحبة، ووصلنا أسباب القلوب، وتحملنا لطائف الرسائل، وحيينا اللهو، واحتضنا السرور، وأخذنا جعالة البشرى، وأكرمنا بنزل الرفادة، وأسنيت لنا صلة الزيادة، وصيغ فينا القريض، وركبت على محاسننا الأعاريض، فطمح بنا العجب، وازدهانا الكبر، وحملنا تفضيل من فضلنا، وإيثار من آثرنا على نسينا الفكرة في أمرنا، والتمهيد لعواقبنا، والتطييب لأخبارنا، وادعينا الفضل بأسره، والكمال بأجمعه، ولم نعلم أن فينا من له المزية علينا، ومن هو أولى بالرياسة منا، ومن يجب له علينا التحرج ومد اليد بالمبايعة، وإعطاء مجهود المحبة، وبذل ذات النفس، وهو الورد الذي إن بذلنا الإنصاف من أنفسنا، ولم نرتكض في بحر عمانا، ولم نمل مع نزع هوانا، دنا له، ودعونا إليه، واعترفنا بفضله، وقلنا برياسته، واعتقدنا إمرته، وأصفينا محبته، فمن لقينا منا حياه بالملك ووفاه حق الإمامة، ومن لم يدرك زمن سلطانه، ولم يأت على عدان دولته، اعتقد ما عقد عليه، ولبى إلى ما دعي إليه، فهو الأكرم حسبا، والأشرف زمنا، والأتم خصالا، والذي إذا فقدت عينه لم يفقد أثره، وغاب شخصه ولم يغب عرفه، والطيب إليه كله محتاج، وهو عن كيفه مستغن، وهو أحمر والحمرة لون الدم، والدم صديق الروح، وصيغة الحياة، وهو كالياقوت المنضد في أطباق الزبرجد عليها فرائد العسجد.
وأما الأشعار فبمحاسنه حسنت، وباعتدال جماله وزنت، وإننا ما نعتقد إلهامنا إلى هذه المخمدة، واستنظافنا من دنس تلك المذمة إلا من أجل النعم المقسومة لنا والأيادي المتصلة بنا.
مكان ممن حضر هذا المجلس، وشهد هذا المشهد من مشاهير الأزهار، ورؤساء الأنوار النرجس الأصفر، والبنفسج والبهار والخيري النمام.
فقال النرجس الأصفر: والذي مهد لي حجر الثرى، وأرضعني ثدي الحيا، لقد جئت بها أوضح من لبة الصباح، وأسطع من لسان المصباح، ولقد كنت أسر من التعبد له، والشغف به، والأسف على تعاقب الموت، والرجعة دون لقائه ما أنحل جسمي، ومكن سقمي، وإذ قد أمكن البوح بالشكوى فقد خف ثقل البلوى. ثم قام البنفسج فقال: "على الخبير سقطت" أنا والله المتعبد له، الداعي إليه، المشغوف به كلفا، المغضوض بيد النأي عنه أسفا، وكفى ما بوجهي من ندب وبجسمي من عدم نهوض، ولكن في التأسي بك أنس، وفي الاستواء معك وجدان سلو.
ثم قام البهار فقال: [الخفيف]
ثم قالوا: تحبها؟ قلت: بهرا ... عدد النجم والحصى والتراب
لا تنظرن إلى غضارة منبتي، ونضارة ورقي، وانظر إلي وقد صرت حدقة باهتة تشير إليه، وعينا شاخصة تندى بكاء عليه: [الوافر]
1 / 15
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
ثم قام الخيري النمام فقال: والذي أعطاه الفضل دوني، ومد له بالبيعة يميني، ما اجترأت قط إجلالا له، واستحياء منه. على أن أتنفس نهارا، أو أساعد في لذة صديقا أو جار. فلذلك جعلت الليل سترا، واتخذت جوانحه كنا.
فلما رأت استواء آرائها على التفضيل له، واعتدال مذاهبها في الدعاء إليه قالت: إن لنا أصحابا، وأشكالا وأترابا، لا نلتقي بها في زمن، ولا نجاورها في وطن، فهلم فلنكتب بذلك كتابا، ولنعقد به حلفا، ولنضع من شهادتنا ما يحتمل في الأقاصي والأداني عليه.
نسخة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما تحالفت عليه أصناف الشجر، وضروب الزهر، وسميها وشتويها، وربيعها وقيظيها، حيث ما نجمت من تلعة أو ربوة، وتفتحت من قرارة أو حديقة، عندما راجعت من بصرها، وألهمت من رشادها، واعترفت بما سلف من هفواتها، وأعطت للورد قيادها، وملكته أمرها، وأخلصت له محبتها، وعرفت أنه أميرها المقدم بخصاله فيها، والمؤمر بسوابقه عليها، واعتقدت له السمع والطاعة، والتزمت له الرق العبودية، وبرئت من كل نور نازعته نفسه المباهاة له، والانتزاء عليه في كل وطن، ومع كل زمن، فأية زهرة قص عليها لسان الأيام هذا الحلف، فلتعرف أن رشادها فيه، وقوام أمرها به، ولتحمد الله كثيرا على ما هداها إليه، واستنقذها من الضلال بتبصرته، ولتشهده على اعتقادها، والله شاهد على الجميع.
شهادة النرجس: [الرمل]
شهد النرجس والله يرى ... صحة النيات منها والمرض
أن للورد عليه بيعة ... أكدت بيعة فما أن تنقض
شهادة البنفسج: [الكامل]
شهد البنفسج أنه ... للورد عبد تملك
يسعى بقلب ناصح ... في حبه مستهلك
شهادة البهار: [الكامل]
شهد البهار وذو الجلالة عالم ... بصحيح ما يبدي وما يخفيه
أن الإمارة في الأزاهر كلها ... للورد لا يؤتى له بشبيه
شهادة الخيري النمام: [الرمل]
شهد الخيري برا صادقا ... قولة أبعد عنها الدرك
أن أزهار الثرى أجمعها ... أعبد والورد فيها ملك
هذا يا سيدي ما انتهى في المعنى إلي، ففضلك في تصفحه، والتجاوز عما وقع من زلل في نقله، فأنت السابق الذي نجري في غباره، ونهتدي بمناره، ولولا علمي بموقع هذه الملح منك لم أجشمك مؤونة النظر فيما كتبت منها لك إن شاء الله.
قال أبو الوليد إسماعيل بن محمد بن عامر: ولي رسالة أردفتها على هذه مشتملة على وصف سبعة أنوار على ما انتهت إليه غاية اختياري وغرضي في الرد بتفضيل البهار على الورد خاطبت بها ذا الوزارتين القاضي سيف الحق الماضي_كبت الله أعداؤه، وأدام عليهم إعداءه_وهي: "يا مولاي الذي رقه لي شرف، وجوده علي سرف، ومن أبقاه الله لرفع شأن ودود، ووضع شأن حسود".
كان من اجتماع بعض النواوير، واتفاق طائفة من الأزاهير على تقديم الورد عليها، وتفضيله بينها، وتخيره للخلافة منها ما قد وقفت عليه ونظرت إليه مما عني بجمعه وانفرد لذكوره أبو حفص بن برد الوزير الكاتب، وسراج الأدب الثاقب، وكانت النواوير المتفقة عليه، والداعية حينئذ إليه: البنفسج والخيري النمام والبهار، والنرجس الأصفر، وكتبت كتابا إلى صنوف الأنوار، وضروب الأزهار، تأمره بالوقوف عند ما وقفت، والاتفاق على ما اتفقت.
فأول من رأى الكتاب، وعاين الخطاب، نواوير فصل الربيع التي هي جيرة الورد في الوطن، وصحابته في الزمن، فلما قرأته أكبرت ما فيه، وبنت على ما هدم مبانيه، وبعض معانيه، وعرفت الورد بما عليه فيما نسب إليه من استحقاقه ما لا يستحقه واستئهاله ما لا يستأهله، وقالت له: "من مدح أمرأً بما ليس فيه فقد بالغ في هجائه" وبينت ذلك له بيانا رأى الرشد فيه عيانا، وأجمعت على مجاوبة مكاتيبها، ومراجعة مخاطيبها بما بدا لها من سوء تدبيرها، وضعف رأيها، ثم رأت أن عنه رأي غير مرضي. فكتبت إلى الأقحوان والخيري الأصفر إذ هما يجاوران تلك في أوطانها ويصاحبانها في أزمانها.
ونسخة الكتاب
من نواوير فصل الربيع الأزهر إلى الأقحوان والخيري الأصفر
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 16
وصلت إلينا بيعة اشترى بها من سعى فيها، وفغر عن فيها، (خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين) ولو استحق الورد إمامة، أو استوجب خلافة، لبادر بها آباؤنا، ولعقدها أوائلنا التي لم تزل تجاوره في مكانه، وتجيء معه في أوانه.
وأما من عقد تلك البيعة، وكتب تلك الصفيحة فلم ير له قط صورة [ولا تلا من ذمة سورة]، فإذا قد جهلت قدره، ولم تعلم أمره، هلا شاورت مصاحبيه واستخبرت مختبريه حتى تقف على حقيقة خبره، وتعلم جلية خيره، فبأي شيء أوجبت تقديمه، ورأت تأهيله لما غيره أشكل له، وأحق به، وهو نور البهار البادي فضله بدو النهار، والذي لم يزل عند علماء الشعراء، وحكماء البلغاء، مشبها بالعيون التي لا يحول نظرها، ولا يحور حورها، وأفضل تشبيه للورد الخد عند من تشيع فيه، وعني به، وأشرف الحواس العين، إذ هي على كل منول عون، وليس الخد حاسة، فكيف تبلغه رياسة؟: [الكامل]
أين الخدود من العيون نفاسة ... ورياسة لولا القياس الفاسد
وأصح تشبيه للورد وأقربه من الحق قول الحكيم ابن الرومي في شعره الطائي. لقد وافق ووفق وشبه وحقق، فقفا_وفقكما الله ولا أخلاكما من هداه_بالنواوير المخاطبة لنا، المسخنة لأعيننا، واعرضا عليها مطلبنا، وبينا لها مذهبنا، وأنبا البهار مفردا تأنيبا يقيمه ويقعده، ويقصده فيقصده، على مشاركته على نفسه وسعايته في إبطال حقه، فلولا استجابته لها، وكونه معها، ما تحصن لتلك مراد، وحياه عنا بالسلام الأثير بعد الملام الكثير، ووالله العظيم حقه الواسع رزقه، لو جاورناه في وطن، أو صحبناه في زمن، لبايعناه منذ مدة مبايعة العبيد، ونفديه لفضله علينا بالطريف والتليد، وراجعنا بعد هذا بالمذهب التي تبني عليه، وتجري إليه، فإن وافقت لم يشذ عنا من النواوير إلا من لم تشهر عينه، ولا يعد فينا صيته وأينه مع أن جماعتنا تعلم فضل ما صنعناه، وتوالي من واليناه، وإن خالفت لم تستضر مخالفتها ولم نضطر إلى محالفتها، فنحن جل النواوير، وعمدة الأزاهير، نعقد للبهار ونقدمه على جميع الأنوار.
فوصل كتابها إليهما، وورد خطابها عليهما وعندها البنفسج والخيري النمام، والنرجس مشاورة لهما، ومستمدة بآرائهما في الخروج عما دخلت فيه، والتخلص مما اكتسبت به سوء الأثر. وقبيح قبيح الخبر من تقديم الورد على البهار على أنه ملك الأنوار. والخيري الأصفر والأقحوان يكثران تأنيبها، ويسفهان أراءها، ويجددان الشكر لله على استنفاذهما مما ورطها فيه، وتأخيرهما عما ألحقها به.
فلما وصل كتاب النواوير الربيعية زهي متصلة من تلك الخطيئة وقع منها مواقع الماء من ذي الغلة الصادي. وأعاد الخيري الأصفر والأقحوان التأنيب لها والتعديد عليها فقالت: لا تكثرا لومنا، ولا تطيلا تأنيبنا، فلو لم تكن لنا سقطة، ولا نسبت إلينا غلطة، لخرجنا عن الأمر المعلوم والحد المعروف، فلا بد للكل من تدبير دبري ورأي غير مرضي، وقد قيل: "اللبيب من عدت سقطاته، والأريب من حصلت هفواته". وإذ قد استيقظنا من نومه الجهل، فأغمد عنا سيف العذل، ووالله إننا لأحقاء بالتأنيب، أحرياء بالتثريب، إذ عجلنا عظيمة لم ننعم النظر فيها، وأنفذنا كبيرة لم نعان عويص معانيها، وقديما حمد التأني وذمت العجلة. ومن أمثالهم: "رب عجلة تهب ريثا". ورحم الله القائل: [البسيط]
وقد يكون مع المستعجل الزلل
لكننا نصفع قفا الحوبة بيد التوبة، ونجلو دجا الاقتراف بصبح الاعتراف. فسر الخيري والأقحوان بما بدا منها من الإقرار بذنوبها، والاعتذار من خطاياها وبنت معا على مجاوبة الأنوار الربيعية بإنفاذ ما رغبته وإكمال ما ابتدأته. ثم خرجت بأسرها إلى البهار معتذرة إليه، متنصلة مما جنته عليه، وسألته العفو عن ذنوبها، والإمساك عن تأنيبها، والطاعة لها بالتقدم عليها، والتملك لجميعها.
فأجابها إلى رغبتها، وأطلبها في طلبتها، وأنشدها قول بن المعتز: [الخفيف]
دية الذنب عندنا الاعتذار
ثم قرأ عليه الأقحوان والخيري الأصفر كتاب النواوير الربيعية إليهما، فلما وصلا إلى الفصل الذي سألوهما فيه التعديد عليه والتأنيب له قال:
1 / 17
والله ما دخلت معهم فيما أحدثوه، ولا تابعتهم على ما صنعوه إلا حياء من تعريفهم بما لا يجهله الجاهلون، ولا يغلط فيه الغالطون، وليس من ترك حقه ملوما، إنما الملوم من تسور على غير حقه، وادعى سوى واجبه، ولولا بدو ذلك لجميعكم، وظهوره إلى رفيعكم ووضيعكم، ورغبتي في استنفاذكم من رق الضلالة، وفككم من رق الجهالة، ما أطعت فيما رغبتموه، ولا صبرت لما أردتموه، ولا عرفتكم من فضلي بما سكت أولا عليه، ولا ندبتكم من حقي إلى ما لم أندبكم قبل إلي. فقالت: مثلك انقاد إلى رغبة مؤمليه، وأيد سالف أياديه، وغفر ذنوب عشيرته، وصفح عن جيرته، وجرى على أخلاق الملوك في الصفح عن المملوك.
وجاوب الأقحوان والخيري الأصفر نواوير الربيع الأزهر، بما نفذ من حسن القدر ونسخة كتابهما:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصل إلينا كتابكم، وورد علينا خطابكم تبينون فيه ضعف ميز مقدمي الورد ومبايعيه، وسوء رأي موليه ومؤمليه، وتلك قصة غاب عنا، وبعدت بفضل الله منا، وقد ظهر ضعفها إلى من تولى، وتبين سخفها لمن ولى، وإذ وقفتموها فوافقتمونا فهي النعمة الجزيلة، والمنة الجليلة، ونحن على مبايعة البهار، والكتاب إلى جميع الأنوار. وسيصل إليكم ويرد عليكم.
فلما نفذ هذا الكتاب إلى النواوير الربيعية بتمام القضية المرضية قالت للبهار: من تمام كرمك، وكمال نعمك إباحة العقد لك بالاتفاق عليك، وإنفاذه إلى صنوف الأنوار وضروب الأزهار.
فأباح لها ذلك، وكتبت بين يديه هنالك:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب مبكري الأنوار، وسابقي الأزهار إلى من غاب عنها بشخصه، ولم يحضرها بنفسه.
أما بعد: فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو مستنقذنا من الفعلة القبيحة والدنية الصريحة التي نفذ بها كتابنا إليكم، وورد بإكمالها خطابنا عليكم، وتلك غلطة ظهرت لكم، وسقطة لم تغب عنكم، ولعمر الحق الذي إليه نرجع، وبه في أمرنا نقطع، لقد ظهر إلينا فساد ما خصصنا عليه، وقبح ما ندبنا إليه، بعد إنفاذه، وإكماله، والتدبر لجميع أحواله، ولم نسقط إلا بتعجيل التدبير، ولا خير في الرأي الفطير، وإذ قد اجتمع الرأي من سراتكم ومنا، وصدر الاتفاق عن كبرائكم وعنا، فهي النعمة التي بها تنتظم أمورنا، ويراعى أميرنا، وقد بايعت البهار الباهر جماله، والظاهر كماله على ما رضيتم به، ورغبتم فيه، وقد وضعنا شهادتنا على صدق من نياتنا.
وكان كاتب الصفيحة البنفسج، فقيل له: ابدأ شهادتك
شهادة البنفسج
النثر: والله ما أضعف أملي، وضاعف عللي، وأوهن مني السوق، وقللني في كل سوق، إلا الدخول في تلك الوحول، والبعد عن الخلق الكريم، والصراط المستقيم، في تأخير هذا الملك العظيم، الذي بتقديمه الآن أرجو أن دائي قد لان: والنظم له: [الكامل]
أما البنفسج فهو يشهد أنه ... متذمم مما جنى متنصل
متبرئ من بيعة الورد التي ... لم يبر منها داؤه المتأصل
متبين فضل البهار وعالم ... أن البهار هو المليك الأفضل
شهادة النرجس
النثر: تبا لتلك الفعلة الدميمة، والقضية الذميمة التي جلبتني جلباب السقم، وسربلتني سربال الهرم، ولولا بداري إلى نسخها وتحيلي في فسخها، لذهب نفسي الأرج الذي به أبتهج.
والنظم له: [الرمل]
أشهد النرجس إشهاد محق ... أن بدر الورد في الملك محق
ورأى أن البهار المجتلى ... في سماء الحسن بالملك أحق
فمتى كذب قول أبدا ... قيل في قولته هذي صدق
شهادة الخيري
النثر: واله ما أورق بصري، وأرق بشري، [وأغاض نهارا ماء بشري]، وأغمد فيه سيف نشري، إلا معصية الحق في تلك القضية، وطاعة الهوى في تلك الخطية، فالحمد لله الذي أحال الحالة الموبقة لي لا محالة.
والنظم له أيضًا: [الرمل]
أشهد الخيري أن الخير في ... نقض ما اخطأ فيه أولا
موقنا أن البهار المرتضى ... بهر الأملاك حالا وحلى
فهو الموقظ أنوار الربا ... من سنات سنها فيها البلى
شهادة الأقحوان
1 / 18