الخليفة :
الإنسان على الفطرة. لا يستطيع التخلي عنها مهما حاول، ومهما قيد نفسه أو قيد غيره بشرائع، وأديان، وآداب، وواجبات ... وأول شيء ركب فيها حب البقاء على أحسن حال، وآخر مجهود الإنسان الحصول على المرأة ليبقي منها في ولده من حيث لا يدري، والأمم كالأفراد يتزاحمون ويتشاحنون ويتضاربون ويتقاتلون؛ لتحصيل ذلك على أحسن حال، وكل ذلك تحقيقا لفكرة البقاء التي ركبت عليها أنفسهم من حيث لا يعلمون إلا بإعمال الفكر.
أبو علي (بعد التفات وإصغاء بتلطف) :
لو نهض أفلاطون اليوم من قبره ما كان عجبه لهذه الحكم دون عجبي ودهشتي.
الخليفة :
ليست هذه فلسفة يا أبا علي، هذا ما رأيته كما قلت لك بالاختبار والنظر، دخلت بيت الحياة ... الدار التي وصفتها لك ... أو الواحة التي أخصبها الإنسان بيده، وهيأها كما اشتهى، وسط الصحراء القديمة الخالدة التي لا تفنى، وسرت في الواحة من أدناها إلى أقصاها، وأمعنت في طلب آخرها؛ فرأيتني خرجت إلى الصحراء مرة ثانية.
أبو علي :
فماذا شعرت يومئذ؟
الخليفة :
شعرت - بل تبينت - أن المرأة سيدة العالم، وأن الرجل خادمها، ولكن ضعف جسمانها وقلة حيلتها اليدوية توهمانه أنه السيد وأنها المسود ... وقد جمد الرجل على هذا الوهم وظل مغتبطا به فزادت سيادة المرأة عليه؛ لأنه لما لم يعرف ذلك لم ينازعها سلطتها الحقيقية، وقد زادته الأديان والشرائع ثباتا على هذا الظن؛ ولذا فهو الآن لا يعمل إلا لها ولا يقاتل إلا لحمايتها ولا يعنى إلا بلذتها، فإذا قصر في ذلك تكدر وغضب، لا لأنه لم يحصل غرضه بل لأنه جدير يومئذ أن تزور عنه المرأة وتغضب عليه؛ فكان مصابه عظيما. أما إذا هي عزته أو هونت عليه الأمر اطمأن وأفرخ، كأنه يشعر من أعماق نفسه أنه لا يعمل إلا لها، وإن كان هناك بون شاسع وفرق عظيم بينه وبينها حسبا ونسبا. إن الفطرة لا تعرف المراتب ولا تقر المناصب ... حسب المرأة أن تكون جميلة لتكون سلطانة، تأمر وتنهى، وتحل وتبرم بلسان الرجل ويده. يتوهم الرجل إذ ذاك أنه يفعل ذلك بملكه، والحقيقة أنه مسوق بيد خفية هي يد المرأة التي تلبسها يد الفطرة كالقفاز.
Bilinmeyen sayfa