ولا تتبعوا خطوات الشيطان ، فقال: لا أنكر، ولكني أرى أن خطوة بفتح الخاء لها نظائر في الوزن مثل: ندوة ونزوة وقسوة وشهوة ونبوة وربوة ... إلخ، فلو أنك قلت: خطوة لكنت قريبا من الصواب، وهي إن لم تكن لغة فهي لغية، وثمانون في المائة ينطقونها بالفتح فما بالك تنطقها بالضم فينسلخ عنك ثلاثة أرباع الناس.
وهذا حل مقبول؛ لأننا حين نفعل ذلك نجاري شائعا له أصل معروف، ولكن الذي لا مسوغ له أن تؤازر الخطأ المحض لشيوعه وذيوعه، وقد يكون شيوعا نسبيا في مدينة أو قطر، ونحن نريد أن تكون الأقطار الإسلامية لغة واحدة، هي اللغة العربية، وقد يذيع في مصر ما لا يذيع في الجرائد، فلو أننا اتبعنا ما ذاع هنا واتبعوا هم ما شاع هناك، لعادت الفروع وهي أصول، ولأصبحت اللغة العربية الأصلية كاللغة اللاتينية في الممالك الأوروبية خاصة لا عامة، ويصبح القرآن غريبا عند المسلمين كأناشيد «بنتاؤر» عند الأقباط، أو سؤال الملكين عند من يرى أنه سيكون بالسريانية! ونصبح - بعد حين - في حاجة إلى من يترجم لنا كتب الجاحظ وابن سينا والغزالي إلى اللغة الأهلية، كما نترجم كتب «ديكارت» من اللاتينية إلى الفرنسية، وقد كان شيء من ذلك في الأقطار الإسلامية، ففي مقدمة ابن خلدون أمثلة من الفنون الشعرية المولدة كالزجل والموالية وما إليهما من الكلام الموزون الخارج على أصول اللغة والإعراب، ونحن نجد صعوبة ومشقة في فهم تلك الآداب البلدية بالرغم مما ذكر ابن خلدون من أنها كانت مثلا في الفصاحة والبلاغة.
وابن خلدون يرى أن البلاغة لا تتوقف على الإعراب، وهذا صحيح بالنسبة للعامة؛ لأن الإعراب عندهم أبرد من النحو في الحساب! ولكن الخاصة لا يتذوقون الكلام الملحون ولا يطربون لمعناه، والبيان عندهم هو جمال اللفظ والمعنى، ولا جمال للفظ بغير سلامته مما يعد عيبا في رأي علماء النحو والصرف.
ولولا أن الحديث ذو شجون لما شغلنا عن تحديد هذا المثل «الحديث ذو شجون»، وقد رأى القارئ أنه لا معنى لأن نقول «الحديث شجون» استنادا على «تسجيله» في بعض الجرائد! والشجون هنا جمع شجن بفتح فسكون، وهو: الشعبة والطريقة، فمعنى «الحديث ذو شجون»، ذو شعب وذو طرائق، وليست جمع شجن محركا، بمعنى الحزن - كما يظن كثير من الناس.
فيه قولان!
ألح بعض الأدعياء على أبيه أن يدعي العلم! وزوده بهذه النصيحة، إذا سئلت عن شيء لم تعرف وجه القول فيه فليكن جوابك: «فيه قولان»، فسمع الوالد نصيحة ولده البار، وكان الناس قديما قلما يعنون بغير المسائل الفقهية والنحوية، فسأله سائل عن طهارة الكلب! فأجاب: فيه قولان، فقالوا: صدق؛ لأنها موضع خلاف بين الشافعية والمالكية، وسأله آخر: أيرفع الخبر أو ينصب بعد «ما»، فأجاب: فيه قولان، فقالوا: صدق؛ لأن فيها خلافا بين الحجازيين والتميميين.
وكان في المجلس رجل ماكر ظريف لحظ أن هذا الرجل جاهل، وأنه ينفذ خطة رسمت له، فسأله: أفي الله شك؟ فأجاب المسكين: فيه قولان.
فجاء ابنه - رضي الله عنه - وقال: صدق في جوابه فإن فيها قولين في الإعراب، ولكن هيهات أن تغني المغالطة بعد أن ضحك الناس من عمامة أبيه. وهكذا تجري الحال في مصر، فكل مشكلة لها وجهان، وكل أمر فيه قولان، ولا يعلم إلا الله متى يعرف المصريون كيف تحدد نقاط الخلاف.
بعثة البنات
انفرجت مسافة الخلف في هذه الأسابيع بين أنصار وزارة المعارف وأنصار طلعت بك حرب، الذي يرى العدول عن إرسال البنات إلى أوروبا لإتمام الدراسة، ولقد جاء في أحد الردود المتبادلة كلمة حقة هذا نصها: «وحتى لو أن كل من أرسلتهن المعارف إلى أوروبا عدن كما ذهبن مصونات الأخلاق سليمات الاعتقاد؛ فليس هذا سببا للمجازفة بغيرهن»، وهي كلمة تذكرنا بقول كليلة ودمنة: «إن من وطئ الحية فلم تلدغه، فليس خليقا أن يطأها مرة ثانية وإلا عرض نفسه للهلاك.»
Bilinmeyen sayfa