ويقول الكاتب مصطفى المنفلوطي في مقدمة مختاراته: «وأحسب أن ما يتعلق من الشعر بالحماسة ووصف الحروب وأسلحتها ودمائها وغبارها وأشلائها هو آخر ما يحتاج إليه المتأدب في هذا العصر.»
ومعنى ذلك أن عصر البطولة قد مات، وزمن الرجولة قد باد، ولم يبق إلا أن يلبس الشعراء أثواب الندماء، فيقضون الليل في خمر، والنهار في خمار.
ولست ألوم المنفلوطي على أن جعل مختاراته خلوا من الحماسة، ولا أعذل الشعراء على ما فرطوا في جنب البطولة؛ فإن ذلك نتيجة الاستعباد، وعاقبة الاسترقاق.
وكيف يتوفر على الشعر الحماسي شعب يرى أنه غير مكلف بالدفع عن بلاده، والذود عن حياضه، أم كيف يتمدح بالشجاعة من يوصف بالطيش إن أقدم، وبالحزم إن أحجم؟
ولقد كثرت أحاديث الناس عن فتوى الشيخ بخيت ضد البلشفية، وفاتهم أن هذا أثر من آثار التبتل الذي جنته علينا الذلة، ورمانا به الهوان.
والذي يتأمل ما كان من فتوى الشيخ يعلم أنه تأثر بالحكمة القائلة: إن العاقل لا يرضى لنفسه إلا أن يكون مع الملوك مكرما أو مع الزهاد متنسكا، وأنه رضي لنفسه حظ ديوجين الكلبي.
ولقد ساءه أن ينفرد الحلفاء بمحاربة البلشفية، وأن لا يكون لمصر حظ في دفع هذا البلاء، فرمى بفتواه في صدر هذه المذهب الجديد، ليعود وهو صريع.
والذي نعرفه من قوة فتاوى الأستاذ، ومن حججه الدامغة، أن تلك الفتوى كانت جديرة بمحو البلشفية، لو أنها صادفت قلوبا كقلوب المصريين الذين يبجلون الشيخ ويعظمونه، ولكنها نشرت بين قوم ينكرون مصر وعلماء مصر، ويعدونهم من سقط المتاع.
وإني لأخشى أن يصبح علماؤنا وما يعرفون غير السبحة والسواك.
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة
Bilinmeyen sayfa