وقالت علية عندما طال إطراقه: أرجو ألا أكون قد تعثرت في قولي لك كما كانت عادتي أن أتعثر في القول معك، إنني لا أقدر على وزن ألفاظي كما تزنها أنت ولا أدرك منها ما تدرك أنت بذكائك، لقد كنا نقضي الساعات أنا وأخي نتحدث عنك، وكانت أحاديث أخي تجعلني أسأل نفسي كلما خلوت إليها بعد زيارتك عما عسى أكون قد تعثرت فيه في حديثي.
ولكني كنت دائما أجدك تغفر لي عثراتي.
أنا حائرة يا فؤاد ويزيد من حيرتي أنني تعودت في هذه الشهور الطويلة التي مضت بي أن أنطوي على آلامي قانعة بمناجاة شجوني حتى كأنني أغلقت نفسي على نفسي.
وكانت تقول كلماتها متقطعة تقف بين كل عبارة وأخرى، كأنها تريد أن تزن كل حرف منها، وكان فؤاد ينتظر ألفاظها وتدور في داخله أحاديث طويلة حول كل لفظ منها.
وقال لها في عطف: هذا ما أدركته منذ أول نظرة عند لقائنا، وهذا ما بعث إلي القلق، ودفعني إلى أن أسألك سؤالي.
فأجابت: لست أعرف كيف أعبر لك عن شكري، ولعل هذه الأيام قد ردت إلي بعض اطمئناني عندما رأيتك إلى جانبي.
وصمتت حينا ثم قالت: ما كنت أحسب أن الحياة تغير ألوانها تحت نظري في مثل هذه السرعة، ولكن ... ماذا أقولك لك؟
وكان فؤاد ينظر إليها عاطفا وهي تتحدث، وهم مرارا بأن ينطق ليحثها على الإفضاء بما عندها، ولكنه كان لا يجد من الألفاظ ما يصلح لأن يعبر به عن مشاعره.
وقالت بعد صمت آخر: أرى كأنك تمنع نفسك عن القول يا فؤاد، ولست أدري لعل ذلك ذنبي أنا، فاسألني عما بدا لك فقد يساعدني سؤالك على أن أجد الموضع الذي أحتاج إلى الإفضاء به ، حدثني بما شئت فإن حديثك يتيح لي فرصة التنفيس عن آلامي.
فقال فؤاد عاطفا: ليتني أقدر على أن أحمل عنك آلامك يا علية، ولست في حاجة إلى أن أقول لك: إنني لا أجد سعادة أكبر من أن أشعر بأنني جدير بثقتك.
Bilinmeyen sayfa