فقال قوية: كما تركته يا سيدي.
فقال فؤاد ضاحكا: أما يزال نائما في ظل النخيل؟
فهز قوية رأسه قائلا: لقد بعدنا عن النخيل يا سيدي.
فصاح فؤاد: أخرجت من الأرض؟
فقال قوية: لم نبق بها إلا لآخر العام حتى جمعنا ثمرة زراعتنا.
وأخذ يقص عليه ما كان بينه وبين ميسور ثم قال: وبدأت بيني وبين ميسور حرب صامتة حاول فيها أن ينزل علينا صنوفا من العقاب، وصار يقف دوني في كل خطوة أحاول أن أخطوها حتى ضاقت في وجهي مسالك الحياة.
وكدت أقابله ثائرا لأدفعه عن نفسي ولكن تعويضة منعتني فباعدت ما بيني وبينه، فاستأجرت قطعة من أرض الخواجة بشارة التي في الناحية الأخرى من الكوم، وعدت إلى خيمتي القديمة، وفتح الله علي فاشتريت بقرة فوق بقرتي وزادت غنمات تعويضة حتى صارت قطيعا، وما تزال أمها عاكفة على مغزلها ونولها، ورحومة يملأ علينا الديار مرحا، وقد اتخذ لنفسه خيمة وحده، ولم يطرب صاحب قصر مثل طربه بخيمته، فقد أظهر للناس جميعا أنه بدوي حقا، فنحن بحمد الله سعداء في جوار كومنا، وإذا شرفتنا يوما بزيارتك فإنها تزيدنا سعادة.
وكان فؤاد يستمع إلى حديثه الساذج باهتمام وغاب في تفكيره حينا: أيضر هؤلاء أنهم يعيشون وحدهم يسرحون أبصارهم في الأفق فلا تعثر على شيء تحب أن تصرفه عنه؟ وجعل يسأل في نفسه: ما هي السعادة؟
وكان الليل قد أوشك أن ينتصف وتكبد البدر السماء ورنت في الفضاء سجعة من سجعات الكروان، ثم أعقبها نعيب طويل مخيف فكاد فؤاد يثب عن الأرض خوفا وتلفت قوية حوله سائلا: ما هذا؟
فقال فؤاد في فزع: صفارة الإنذار، أسرع بنا يا قوية.
Bilinmeyen sayfa