فعادت إلى الرجل نظرة الريب وقال مترددا: هي أقوال نسمعها.
فقال فؤاد مشجعا: أيقولون إنها ...
وصمت ناظرا إليه كأنه يناجيه بسر.
فقال الرجل هامسا: نعم، يقولون إنها قتلته؛ لأنه تعرض في الليل لها، ثم هامت على وجهها.
وكانا قد بلغا مسجد السيد البدوي فخلع فؤاد نعليه وقال للرجل: ألا نجده هنا؟
ودخلا بين الجموع الزاخرة فزارا المشهد وطافا بأنحاء المسجد فلم يجدا من قوية أثرا، وأحس فؤاد خشوعا حزينا فذهب ليتوضأ، ثم صلى عند مقام السيد ركعتين لله، واتجه بقلبه إلى تعويضة وقوية لعل الله يرحمهما.
ولما قام يريد العودة إلى بيته لم يطعه قلبه الموحش فذهب إلى سرادقات المولد ليذهب وحشته في أنوارها اللامعة ويستمع خاشعا إلى آيات القرآن، وكانت قطرات من رذاذ المطر تتطاير إلى وجهه، وسماء الخريف الغائمة تلف السماء بثوب حزين، فسار مسرعا يحس ارتياحا للقطرات الباردة التي ترف على جبينه، وهبات الهواء البارد الذي كان يتسرب إلى صدره المضطرب.
وكانت صورة قوية وتعويضة تتمثلان أمامه في ذكريات شتى تتزاحم في خياله يجللها السواد، وصورة لجة الماء تبدو إلى جانبهما وعلى سطحها عود ضئيل من الشوك يتخبط على الأمواج، وكانت هناك زهرة في العود الضئيل تضطرب في اللجة الغائرة ثم تبتلعها الدوامة العنيفة في جوفها.
Bilinmeyen sayfa