ولت الفتاة وجها مكروبا إلى فلوري حين ظهر. هتفت بالنبرة الغاضبة الملحة التي تغشى صوت الناس المذعورة: «فلتسرع! أرجوك! أنجدني! أنجدني!»
كان فلوري في غاية من الاندهاش ليطرح أي أسئلة. هكذا هرع إليها، ولعدم وجود عصا، فقد صفع الجاموسة صفعة شديدة على أنفها. فتنحت جانبا، بحركة خائفة ثقيلة، ثم رحلت بخطوات متثاقلة يتبعها العجل. كذلك خلص الجاموس الآخر نفسه من الوحل ورحل بخطوات متعثرة. أما الفتاة فارتمت على فلوري، تكاد تكون بين ذراعيه، وقد غلبها الذعر تماما. «شكرا، شكرا! يا لها من أشياء مريعة! ماذا تكون؟ خلت أنها ستقتلني. يا لها من كائنات رهيبة! ماذا تكون؟» «ليس سوى جاموس الماء. إنه يأتي من القرية التي هناك.» «جاموس؟» «ليس جاموسا بريا، الذي نسميه البيسون. إنه مجرد نوع من الماشية التي يربيها البورميون. أعتقد أنها سببت لك صدمة فظيعة. يؤسفني ذلك.»
كانت لا تزال متشبثة بذراعه لصيقة به، فاستطاع أن يشعر بها ترتعد. خفض ناظريه، لكنه لم يستطع رؤية وجهها، فقط أعلى رأسها، من دون قبعة، بشعر أشقر قصير مثل شعر صبي. واستطاع رؤية إحدى يديها على ذراعه؛ كانت يدا طويلة رشيقة شابة، ذات رسغ ملطخ بالألوان مثل رسغ تلميذة. لم يكن قد رأى يدا كهذه منذ عدة سنوات. انتبه فلوري إلى الجسد اللين النضير الضاغط على جسده، والدفء النافذ منه؛ فبدا كأن شيئا ينبض بداخله ويذيب جليد قلبه.
قال فلوري: «لا بأس، لقد رحلت. ليس هناك ما يدعو إلى الخوف.»
كانت الفتاة لا تزال تستفيق من ذعرها، ووقفت مبتعدة قليلا عنه، وإحدى يديها لا تزال على ذراعه. قالت: «إنني بخير. لا بأس، لم أصب بأذى. فهي لم تمسني. شكلها فقط كان مريعا.» «حقا، إنها غير مؤذية على الإطلاق. فقرونها واقعة بعيدا جدا في مؤخرة رءوسها فلا يمكنها أن تنطحك. إنها حيوانات غبية جدا، تتظاهر فقط بالهجوم حين يكون لديها عجول.»
وقف الاثنان متباعدين الآن، وغشاهما حرج طفيف في الحال. وكان فلوري قد استدار قليلا بالفعل ليخفي عنها وحمته. ثم قال: «حسنا، إنه نوع غريب من التعارف! لم أسألك بعد كيف جئت إلى هنا. من أي مكان جئت، إذا لم يكن في السؤال وقاحة؟» «لقد خرجت للتو من حديقة عمي. بدا الصباح جميلا للغاية، فارتأيت أن أذهب في تمشية. ثم جاءت تلك الأشياء المريعة خلفي. فإنني جديدة تماما في هذا البلد.» «عمك؟ بالتأكيد! أنت ابنة أخ السيد لاكرستين. لقد سمعنا بقدومك. حسنا، هلا خرجنا إلى الميدان؟ سنجد مسارا في مكان ما. يا لها من بداية لأول صباح لك في كياوكتادا! أخشى أن هذا حري أن يعطيك انطباعا سيئا عن بورما.» «كلا؛ جل ما هناك أن الأمر برمته غريب بعض الشيء. كم تنمو بكثافة هذه الأجمة! وكلها ملتفة معا وغريبة المنظر. من الممكن أن تضل السبيل هنا في لحظة. هل هذا ما يسمونه غابة؟» «أدغال. بورما في أغلبها أدغال؛ ما أسميه أرضا خضراء كريهة. لو كنت مكانك ما كنت سأخوض وسط تلك الحشائش. فالبذور تتخلل الجوارب وتصل إلى الجلد.»
ترك الفتاة تسير أمامه، شاعرا براحة أكبر أنها لن تستطيع رؤية وجهه. كانت طويلة بعض الشيء بالنسبة إلى فتاة، هيفاء، ترتدي فستانا قطنيا لونه بنفسجي فاتح. من لفتاتها لم يبد له أنها ناهزت العشرين بكثير. لم يكن قد أمعن النظر في وجهها بعد، سوى أنها كانت ترتدي نظارة مستديرة مصنوعة من صدفة سلحفاة، وأن شعرها قصير مثل شعره. لم يكن قد رأى من قبل امرأة بشعر حليق، سوى في الصحف المصورة.
مع دخولهما الميدان تقدم بمحاذاتها، فالتفتت لتواجهه. كان وجهها بيضاويا، متناسق الملامح رقيقها؛ ربما ليست جميلة، لكنها بدت كذلك هناك، في بورما، حيث كل النساء الإنجليزيات شاحبات ونحيلات. سريعا ما أشاح فلوري بوجهه جانبا، مع أن الوحمة كانت مستترة عنها. لم يطق أن ترى وجهه الكامد عن كثب شديد. تحسس الجلد الذابل حول عينيه وشعر كأنه جرح. بيد أنه تذكر أنه كان قد حلق ذلك الصباح، مما منحه شجاعة.
قال: «أعتقد أنك حتما مصدومة قليلا من بعد هذا الأمر. هل تودين أن تأتي إلى مسكني لتستريحي بضع دقائق قبل الذهاب إلى المنزل؟ كما أن الوقت متأخر بعض الشيء للخروج من دون قبعة.»
قالت الفتاة: «شكرا، أود ذلك.» خطر لفلوري أنها لا يمكن أن يكون لديها أي علم بأفكار الهنود عن الأصول «هل هذا منزلك؟» «نعم. لا بد أن ندور حول الطريق الأمامي. سوف أجعل الخدم يأتون بمظلة من أجلك. فهذه الشمس خطيرة عليك، بشعرك القصير.»
Bilinmeyen sayfa