الفصل السادس
في الغرب
الأربعاء 3 فبراير (من مدينة بلمان بولاية واشنطن في أقصى الشمال الغربي للولايات المتحدة؛ حيث أقمت أستاذا زائرا بجامعتها فترة الربيع.)
دعاني الدكتور «د. و» إلى حفلة مسائية في داره، كما دعا كثيرين من أساتذة الجامعة ليعرف بعضنا بعضا، ولو حللت هذا الاجتماع وحده وقارنته بنظيره في مدينة كولمبيا (ولاية كارولاينا الجنوبية)؛ لتبين الفارق البعيد بين أهل الجنوب وأهل الغرب، إنهما روحان مختلفان كل الاختلاف ... إنني أقارن النظير بنظيره؛ فقد كان الدكتور «ش» في كولمبيا قد جمع أربعة اجتماعات في داره، ودعا في كل اجتماع منها عددا من الأساتذة ليعرفوني وأعرفهم، وإذا فلنقارن اجتماع الليلة بتلك الاجتماعات لنتبين الفروق:
أولا:
المدعوون هنا الليلة جميعا كانوا مصحوبين بزوجاتهم، أما الدكتور «ش» في كولمبيا فلم يدع الزوجات، بل أكثر من هذا، وهو أن زوجته عندما كانت سمعت أول نقرة على الباب، وعرفت أن القادم هو من المدعوين، أسرعت إلى داخل الدار كأنها امرأة في حريم شرقي، مع أنها كانت موظفة إلى عهد قريب في الجامعة نفسها، وعلى علم تام بالأساتذة المدعوين، وإذا فهناك في الجنوب تزمت وطول تفكير وتدبير في مسألة اجتماع النساء بالرجال في الدعوات والحفلات، متى يكون ومتى لا يكون.
ثانيا:
قدم لنا الليلة أنواع الشراب المختلفة ليطلب من شاء ما شاء منها، وأما في كولمبيا، في الدعوات التي أقامها الدكتور «ش» في منزله، فلم يقدم إلا القهوة فقط، كأنما تقديم الشراب يزيل الكلفة وهم هناك لا يريدون إزالة الكلفة بسرعة ... هذا الفارق عندي هو من أهم الفوارق؛ فإن الكلفة والتكلف والمجاملة والتصنع لم تزل بيني وبين رجال الجامعة في كولمبيا حتى تركتها؛ لم يحدث أبدا أني اندمجت مع أحد منهم، كما اندمجت هنا في بلمان مع أعضاء قسم الفلسفة منذ الدقيقة الأولى؛ فالناس هنا في الغرب يتصرفون التصرف الذي لا تكلف فيه.
ثالثا:
كان الحديث تلقائيا حرا في اجتماع الليلة؛ وأما في اجتماعات كولمبيا فقد كان الحديث يدور دورانا مدبرا حول أسئلة عن مصر؛ ذلك لأنهم لم يريدوا هناك أن يجعلوها جلسة صداقة وود؛ فمثلا كان يستحيل عليهم أن يتبادلوا النكات ما دمت غريبا بينهم، مع أن اجتماع الليلة لم يخل من النكات المرحة، مثال ذلك: قال أحدهم إن في جامعة سماها تمثالين لأسدين على سلم المدخل، وكانوا يقولون وهم في تلك الجامعة إن هذين الأسدين يزأران لو مرت بينهما فتاة عذراء (يعني أنه لا عذراء بين الفتيات) ... فقال أستاذ آخر: هذا شبيه بما كنا نقوله كذلك في جامعتنا؛ فهناك تمثال لرجل جالس، وكنا نقول إن التمثال ينهض واقفا لو مرت به فتاة عذراء ... هذه نكات كانت تقال في اجتماع الليلة مع وجود الزوجات، بل كان الزوجات يشتركن في التعليق والضحك.
Bilinmeyen sayfa