لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ،
ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون .
وطالما اختلج بقلبي، وسبق لذهني، فحكم عقلي، أن مسألة الذكور والإناث، وتقارب تساويهما في الوجود، وتنظيم أعدادهما على سطح الكرة الأرضية، أجل دليل، وأقوى حجة، وأسطع برهان، وأحكم قول، على أن هناك غرائز لو كشف الناس عنها الحجاب، وأبرزوها للعيان، لصلح حال البشر، كما تراه في الكتاب. •••
بدأت أولا في تحقيق الميزان والقسط والنظام والعدل في العالم المشاهد، وعولت في الأكثر على المحسوسات، ولم أشأ أن أقرأ الحكمة إلا بالقياس على المشاهدات، ولا أدرسها إلا مع النظر في المخلوقات.
النظام في كمية المادة وتركيبها وحركتها
رأيت أن الهواء أكثر من الماء، والماء أعم من الغذاء، والغذاء أكثر من الدواء، فعجبت لهذا العالم، كلما اشتدت الحاجة لشيء كثر وجوده، وتقل الأشياء، كلما قل طلابها، أو لم تجب أسبابها، وأكثر الناس عن ذلك غافلون.
ثم نظرت فيها من حيث تركيبها، ونسب أجزائها، فألفيت عجبا عجابا، ألفيت الأجزاء موضوعة بحساب، مرتبة بدقة ونظام، في كل تركيب كيماوي، أفلا تتعجب معي من وزن ذرات الأكسوجين والأودروجين في الماء، وإن الأول أثقل من الثاني أضعافا، والثاني أكبر منه حجما، على نسب لو اختلت وزنا أو حجما، لفسد الماء، وانفصل الزائد، وطار مع الهواء.
ألا تتعجب من الماء كيف يكون مركبا من مادتين خفيفتين لا تراهما العيون، إحداهما حارة محيية، والأخرى باردة مميتة؟
ألا تتعجب معي من هذا الوجود المنظم، وكيف كانت سائر النباتات مركبة من عناصر بنسب محفوظة ثابتة كما أوضحته عن علماء الزراعة في كتاب نظام العالم والأمم؟
أوليس مما يسحر العقول، ويخلب الألباب، أنك ترى مثل القمح والقطن مركبين من عناصر فوق العشرة، متحدة في الأكثر، مختلفة نسبها، بحيث إن ما نلبسه هو عين ما نأكله من حيث العناصر؟ واختلاف المقادير في التركيب، أوجب اختلاف الملبس والمأكل والرقاقة والحزام.
Bilinmeyen sayfa