إلى غير ذلك من الآيات المنصوصة في القرآن العظيم، ولا يعلم ذلك البتة هذه الأمور المغيبة من جهة المقاييس العقلية ولا الفقهية ولا الجدلية، إذ لم يرجع إلينا أحد من الموتى فيخبرنا عن حقيقة ما لقي وشاهد، وعاين من كرب الموت وكابد، فلم تبق لنا جهة نتعرف منها إلا من جهة الشريعة، لا من جهة برهانية إذ مبادئ البرهان لا بد عندهم أن تكون ضرورية، فضلت فيه الملحدة من الفلاسفة والموحدة من الإسلاميين، واعتمدوا في تعرف المغيبات على الاستقراء على ما بينه المتكلمون في آراء الناظرين، وذلك باطل بيقين، قال الله العظيم في محكم كتابه المبين: {فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون}، وإنما نادت الجنازة على سريرها بويلها فيما ثبت عنها لخوفها من عذاب القبر الذي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منه، ولما يسئلها الملكان عنه، وهذا مخصوص بالقبر لا بالموت، والموضوع في القبر أو في الخشبة هو شخص الميت، وهو الذي يكلمه الملكان، كان في القبر أو في أي مكان، وهو الذي يضرب بمطارق من حديد يسمعها من يليه غير الثقلين، كما بينه سيد الكونين، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يجب الوقوف عند ما يقوله فيما يتكلم، فإنه لا ينطق عن الهوى، ولا يقول إلا عن وحي يوحى، وإذا نص على أمر فالحق فيما نصه، والمخالف له غوي إن عمه أو خصه.
ولولا خشية الإطالة، والخروج إلى الملالة، لتلوت عليك كتاب الله العزيز الجبار، ولرويت لك جميع ما ثبت في ذلك من صحيح الآثار، إلى أن يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.
مسألة:
قالت الزنادقة: كيف يكون صوت مسموع لسامع في محل لا يسمعه آخر معه، وهو مثله سليم الحاسة عن آفة الإدراك؟
الجواب: أن الإدراك معنى يخلقه الله جل وعلا لمن شاء ويمنعه من شاء، وليس بطبيعة ولا وتيرة واحدة.
قال القاضي سيف السنة أبو بكر: ((ولكن لا يخرق العادة إلا في زمن الأنبياء صلوات الله عليهم)).
Sayfa 257